جميعنا: سندفع الثمن! / عيسى ولد الداهي

جمعة, 26/04/2019 - 14:43

منظمة التعاون الاقتصادية للتنمية ، والبنك الدولي، وصندوق النقد اتفقوا على تعريف   "الدين الخارجي  على أنه  : الالتزامات التعاقدية الجارية والمؤدية إلى دفع المقيمين في بلد إلى غير المقيمين سندات وفاء الدين الأساسي مع الفوائد ... !

 بكل بساطة و بالانتباه للعبارات: جميعنا سوف ندفع الثمن !

ربما لم تفكر يوما كيف يؤثر عليك الدين الخارجي؟  فهل فكرت لماذا الأسعار مرتفعة و الدخل ضئيل ؟ هل فكرت لماذا إذا ارتفعت الأسعار فإنها لن تهبط مستقبلا ؟ هل فكرت لماذا تتدهور قيمة العملة باستمرار ؟

هل فكرت كيف تعمل بأضعاف جهدك ولا يتغير شيئ ؟ هل فكرت لماذا  في الحالات التي تتضاعف  كمية النقود التي تحصل عليها لا يتغير شيئ ؟ هل فكرت لماذا لا يمكنك أن تدخر ؟ هل فكرت لماذا لا تجد عملا ؟ هل فكرت لماذا لا يمكن للدولة أن توفر لك خدمة صحية مناسبة ؟ هل فكرت لما ذا لا يتلقى أطفالك تعليما مقبولا ؟ وهل فكرت لماذا لا تجد ما تحملهم عليه ؟

هل فكرت لماذا ترفض البنوك أن تمول مشروعك الصغير وهل فكرت لماذا يفرضون عليك أسعار فائدة مرتفعة؟ و هل فكرت مرة لماذا السيولة دائما شحيحة ؟ الأكيد أن هذا كله لا علاقة له بنزول البركة ، و المؤكد أن كل هذا يحدث فعلا بدون نية سيئة ، فما هو السبب ؟ 

إنه الدين الخارجي : الذي يجعل الدولة مجبرة على توجيه مداخليها من العملة الصعبة لخدمة الدين الخارجي، فلا يتبقى لها من الموارد ما يسمح لها بالتكفل بالخدمات الاجتماعية ، من صحة و تعليم وبني تحتية . فتلجأ إلى فرض الضرائب لتعويض العجز ، و تكون سياستها النقدية مقهورة دائما بدواعي تمويل الواردات فتلجأ  لشراء العملة الصعبة مقابل بيع العملة الوطنية ، التي تتراجع بفعل العرض والطلب ، مؤدية إلى تباين بين المعروض من الموجودات و القيمة من النقد فترتفع الأسعار، وتقل السيولة ، و تتحفظ البنوك على الإقراض و ترفع نسبة الفائدة ،  فيتراجع الاستثمار لتعسر الولوج إلى التمويل، وتندر فرص العمل ، ويتضاعف جهد الإنتاج ولا تظهر النتائج المرجوة لأن الوقت الذي كانت تنضج فيه  النتيجة  كان التضخم ينضج أيضا.

ربما لا تعلم أن فوائد الدين الخارجي  – فقط الفوائد -  لصالح جهة واحدة من المقرضين لنا تجاوز 12 ضعف ما تم إنفاقه على الصحة و التعليم والتشغيل مجتمعين و في نفس المدة  الزمنة  -12 سنة !

كيف  يتراكم الدين الخارجي ليصل مستويات خرافية : 
ببساطة :  إننا نقترض بالعملة الصعبة  وبأسعار فائدة تتأثر بالسوق والوقت !

مثلا إذا اقترضنا 46 مليون دولار من FADES ، لترميم مقطع ألاك - بتلميت ، ولمدة 31 سنة  بنسبة بفائدة 2%   ، وبملاحظة أن سعر صرف الدولار إلى الأوقية ارتفع ب 2 أوقية خلال شهر واحد-(363.2-365.4) : يسكون  علينا أن ندفع 93.84 مليون أوقية إضافية علا على القرض و فوائده ، و ذالك لان سعر الصرف تغير خلال شهر واحد فقط و ب2 أوقية فقط ، كمم تتصور أننا سندفع خلال 31 سنة من تغيير سعر الصرف و  تغيير سعر الفائدة ، قبل أن نتحدث عن سداد القرض ذاته وعن تراكم الفوائد على تأخر الدفعات المستحقة :  إنه شيء مخيف !

بالطبع القروض الخارجية ستدفع بالعملة الصعبة، فمن أين يمكننا تأمين النقد الأجنبي الذي يستخدم في سداد الدين، : إذا فكرنا في حاصل الصادرات فهذا لا يكاد في أحسن الأحوال يكفي لتأمين 3 أشهر من الواردات ، إن ميزان المدفوعات لا يمكنه أن يسعفنا فنحن بلد لا ينتج للأسف ،و بالتالي علينا استيراد كل شيء ) التضخم ( و صادراتنا لا تحمل قيمة مضافة ، ) عجز الميزان التجاري(   . لذالك فإن الخيار الذي يفرض نفسه : اهو ان نستدين من جديد لتسديد أجزاء من الدين المستحق في أحسن الظروف . وفي نهاية المطاف   نصبح بلدا مدينا غير قادر كلياً على خدمة ديونه عندها يتوقف سداد الديون علي التفاوض بين الطرفين الدائن والمدين، وفي هذه الحالة فإن قيمة السداد تصبح مرتبطة بالأداء الاقتصادي للبلد المدين وليس بالشروط التعاقدية التي تم الاقتراض على أساسها، وبذلك عندما يتحسن الأداء الاقتصادي للبلد المدين  ) إذا بدأنا تصدير الغاز مثلا ( سيتم تعبئة هذه المكاسب التي تحققت بغرض تسديد مستحقات الديون، أي أن عائدات الاستثمار ستكون من نصيب الدائنين في شكل زيادة قيمة دفعات خدمة الدين وبالتالي تصبح الديون المتراكمة عبأً على الإنتاج الحالي والمستقبلي !  

وفي انتظار تحسن الحاصل من النقد الأجنبي بفعل صادرات الغاز مثلا ، فإنه لا مناص من التفاوض مع الدائنين لإيجاد وضع ما !

 إن تحويل الديون الخارجية إلى استثمارات من ضمن الحلول المطروحة للتخفيف من عبء الديون الخارجية ، هذه النظرية كان أول من تقدم بها هو الاقتصادي Allan Meltze، و تتلخص في إدماج الدولة للدائنين في رأس مال شركاتها ذات الإنتاجية أو مشاريعها الواعدة ، وتتم الصيغة  من خلال وسيط  مستثمر )شركة متعددة الجنسيات عادة(،حيث يقوم المستثمر بشراء الدين من البنك أو الصندوق السيادي الممثل للدائن و ذالك بالعملة الصعبة و بخصم محدد، ثم يتحصل من البلد الدائن على مقابل المبلغ ولكن بالعملة المحلية وبخصم اقل ، وبهذا المبلغ يشتري المستثمر أسهم في شركات سيادية أو مشاريع حكومية كنوع من الخصخصة ، باختصار تتلخص هذه الآلية في تحويل الدين من العملة الأجنبية إلى التزام  محدد بالعملة المحلية و بسعر خصم ، وبذالك يعتبر الدين مسدد وتتحول الذمة المالية إلى شكل مساهمة .
مثلا في  السينغال : حولت الأرجنتين من خلال اليونيسيف كوسيط 24 مليون دولار من ديونها على اليسنغال ، حيث حصلت الأرجنتين على 6 مليون دولار كثمن شراء اليونيسيف للدين ، ودفعت السنغال 12 مليون دولار  على  ثلاث سنوات على شكل دعم لمشاريع اليونيسيف في السنغال. 
 في المغرب سنة 1999 حولت الكويت 110 مليون دولار من ديونها على المغرب في شكل أسهم في اتصالات المغرب،  وفي الجزائر سنة 2006 حولت روسيا 7.4 مليار دولار من ديونها إلى استثمارات في مجال النفط و الغاز.

بالرغم من إيجابيات هذه الآلية وخصوصا الخصم، و استجلاب استثمار أجنبي ولو انه بالعملة المحلية ، -)لا يدعم احتياطي العملة الصعبة ، ولكنه قد يخلق فرص عمل (،  إلا أن هذه الآلية تحمل في طياتها مخاطر  كبيرة على توازن الاقتصاد الكلي من خلال التضخم الذي سينشئ عن ضخ البنك المركزي كمية جديدة من السيولة لتغطي مقابل التحويل، و حتى إذا تلافى البنك المركزي ذالك  بإصدار سندات فلن  تكون هذه الآلية من مصلحة البلد المدين إلا إذا تمكنت الدولة من جعل القطاع الخاص الوطني  يلعب دور الوسيط )المستثمر( و تتجنب بذالك الهيمنة الأجنبية على الاقتصاد بما فيها من تهديد للسيادة الوطنية ،  وتدخل الشركات متعددة الجنسية ، سيئة السمعة في إفريقيا، هذا و الأدهى منه، وهي حالتنا ، أي ضعف أدوات الرقابة ، أن تسعى هذه الشركات ) المستثمر(   عبر هذه الآلية  إلى خلق منصة لعمليات غسيل للأموال، مما سيؤدي إلى استنزاف للعملة الصعبة ربما تكون ارتداداته استجارة من الرمضاء بالنار ! 
 
وفي حالة عجز القطاع الخاص الوطني عن لعب الدور ، فربما يكون تحويل الدين إلى استثمار ،أكبر ضررا من الدين نفسه .

وللتنبيه هذه المقاربة جربت في دول عديدة و أعطت نجاعة محددة  مرهونة بالمستثمر ، القطاع الخاص ، الشيئ الذي لا نطمئن إليه في حالتنا ، ولكنها لم تجرب إلى الآن على حد علمي بالمشتقات المالية ، وخصوصا الهيكلية ( les produits structurés)   في نموذج يتم من خلاله تحويل الفوائد إلى أسهم ، والإبقاء على أساس الدين ، لذالك وجب التنبيه إلى خطورة تطبيق هندسة مالية لم تجرب بما يكفي ، و على اقتصاد لا يتمتع بالأدوات الوقائية الضرورية !!

هل تعلم من فعل هذا باقتصادنا وجعلنا جميعا ندفع الثمن ؟

إنها مصفوفة من المجرمين  تبدأ بي أنا : المواطن ، وتنتهي بي أنا المواطن 

لا يمكننا أن نحمل نظاما محدد المسؤولية ، ولا مؤسسة محددة، ولاحقبة محددة . لكننا لن نقيده ضد مجهول 

إننا نعرفهم بسيماهم  : 
تبدأ خيوط الجريمة من المسئولين عن التخطيط الاقتصادي : 

من المعروف ا القروض ، والخارجية منها على وجه الخصوص،لا يلجأ لها إلا لضرورة تمويل استثمار مؤكد الجدوائية على الأقل للإهلاك الدين و متعلقاته ،  و يتمتع بصفة النفع المشترك، 

اغلب المشاريع التي كانت سببا للمديونية الخارجية، لم تخضع للضوابط الفنية، ولم يتم مراعاة تكاليف صيانتها للاستمرار الانتفاع بها، و المبالغ المالية المرصودة لها لم تكن أبدا موضوعية !
بعد هؤلاء يأتي دور البرلمانين  : والذين نتحمل نحن وزرهم لأننا سلمنا مصائرنا لأشخاص غير مؤهلين للخدمة المطلوبة منهم فأفتوا بغير فهم ، فهلكوا وأهلكونا معهم !

لكن الذي يتولى كبره هم هيأت الرقابة و خصوصا لجان رقابة الصفقات و الإدارات المكلفة بتوفير أفضل العروض و خصوصا من ناحية التكاليف : هؤلاء ليس لأنهم يفوتون فقط فرصة الوصول إلى مقاول يقدم العرض الأفضل ، بل يضاعفون أعباء الدين من خلال تمكين الأسوأ
 من الناحية الفنية و المالية، فيتأخر الانجاز وتتضاعف التكاليف ، ثم توقع ملحقات عقود تضاعف الدين الأصلي !

خلاصة : إننا جميعا في ورطة و علينا جميعا أن نتعاون و نتحمل مسؤولياتنا :

شخصيا سأقدم مساهمتي ، وسادفع الثمن قريبا !