إصلاحات دستورية وسياسية على مائدة المرشحين لرئاسة الجمهورية/ إسماعيل ولد إياهي*

ثلاثاء, 18/06/2019 - 11:41

لم نشأ أن نخص أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية ، دون آخر بل آثرنا أن نضع هذه الأفكار على الجميع لعل وعسى أن تجد حيزا لها في اجنداتهم ونظرا لسابق علمنا بأن الوقت ضيق بالنسبة للجميع ، فقد فضلنا الاختصار على شكل رؤوس أقلام على أن كل فكرة أو تصور يمكن تعميقه وتفصيله عند الاقتضاء .

أما الاصلاحات التي نجدها واردة بل ملحة فتتعلق برئاسة الجمهورية وعدد المأموريات الرئاسية والبرلمان والقضاء والمجالس البلدية وفصل السلطات كمبدأ أصيل في الديمقراطية ، أما هدفنا من كل هذه الأمور فهو إضفاء مزيد من الانسجام في الأدوار والوضوح في الاختصاصات والوظائف في هيئات الدولة .

أولا : رئاسة الجمهورية

وهي قمة هرم السلطات في النظام الرئاسي وشبه الرئاسي لذا كان من الواجب أن توضع أركانها على قواعد متينة شامخة تخصها وحدها دون غيرها من السلطات الأخرى في الدولة كالبرلمان والقضاء وكافة الهيئات السياسية سواء كانت منتخبة أو معينة ، حسب نص الدستور ، وكل تفكير من اجل ادخال تحسينات معينة على هذه الهيئات يجب أن يكون منطلقه الأول ومرجعيته الأولى مبدأ فصل السلطات الذي ساد في العالم قبل وبعد الثورة الفرنسية في ضوء المبادئ الواردة في كتاب << رسائل فارسية>> للكاتب والمفكر الفرنسي الشهيرمونتسكييه . وحسب هذه المبادئ فإن كل سلطة يجب أن تتميز في وظائفها واختصاصها عن السلطات الأخرى ، ولا تتدخل سلطة في صلاحيات سلطة .

من هنا وبناء عليه فإن رئاسة الجمهورية لا ينبغي لها أن تصبح في يد السلطة التشريعية أو القضائية ، نتيجة ظروف طارئة ، لأن الشعب وهو مصدر كل سلطة قد اختار بإرادته الحرة لكل سلطة دورها الوطني فالسلطة التنفيذية تحكم وتصدر القانون وتضمن سلامة البلاد وحوزتها الترابية مع ضمان السير المنتظم لأجهزتها ومرافقها العمومية ... الخ .

أما البرلمان فإن مهمته السامية تتلخص في التشريع والرقابة على اعمال الحكومة وسن الضرائب والمصادقة على بعض الاتفاقية الدولية وقانون المالية لكل عام.

أما السلطة الثالثة وهي القضاء فدورها معروف في تطبيق القانون والسهر على احترام مبدأ المشروعية وحراسة العقيدة السائدة في كل مجتمع من التدنيس أو التطاول عليها ... ومن هنا أيضا يظهر لنا أنه ينبغي أن يصار إلى إنشاء منصب نائب رئيس الجمهورية الذي سيكون من وظائفه تولي مهام رئيس الجمهورية عند شغور المنصب بصيفة مؤقتة أو دائمة .

ومن المناسب أن نبين أن نائب رئيس الجمهورية لن يكون منتخبا بل يعينه رئيس الجمهورية بمرسوم رئاسي وبه ينهي مهامه ... وذلك بعد أن يقره الدستور في تعديل يستفتي فيه الشعب ليقول كلمته ويعبر عن رأيه الملزم وهذه النقطة نعتبرها تغييرا وتجديدا قد يعطي لمؤسسات الدولة حيوية واسجاما أكثر فاعلية .

ثانيا : المأموريات

لابأس بأن تظل المأموريات على حالها وكما هي في عددها ، لكن من المفيد بل ومن الوارد جدا أن تمدد فترتها إلى سبع سنين لكل مأمورية مع قابليتها للتجديد مرة واحدة لأن فترات دراسة وقيام المشاريع الاقتصادية والصناعية والثقافية ، وتقييمها يبرر تلك الفترة حتى تتاح الفرصة زمنيا للرئيس المنتخب ليختم برنامجه بانجازات مكتملة يتسنى معها الحكم له أو عليه عند الاقتضاء . ومعروف عند أهل المعرفة أن السنوات السبع التي جاءت في القرءان الكريم تعتبر ذات دلالة بنيوية اقتصادية مهمة .

ثالثا : البرلمان والبلديات

لا يخفى على أحد ما لهذه الهيئات المنتخبة من اهمية في بناء صرح الديمقراطية ، كمدرسة لتنمية وتطوير السلوك المتحضر وكآليات متميزة للرأي والرأي الآخر .إلا أننا نجد أن هذه الهيئات لها تكاليف  على مستوى الوسائل والنفقات التي تبذل عند كل استحقاق انتخابي .

لذا نرى أنه من الوارد أن تمدد فترات انتخابها ست سنوات ، ثم أن عدد النواب في الجمعية الوطنية يبدو لنا مرتفعا بالمقارنة مع عدد السكان الموريتانيين ، حيث نجد أن كل نائب تقابله ثلاثون ألفا من المواطنين أو أقل قليلا .بينما نجد أن هذه النسبة تصل إلى ثمانين ألف من المواطنين في دول أخرى بل وأكثر أحيانا وبهذا تكاد الديمقراطية البرلمانية الموريتانية أن تكون مباشرة .

لذا كان من المناسب أن يعاد النظر في عدد النواب في الجمعية الوطنية بما يتناسب ديمغرافيا مع تعداد السكان .

رابعا : الهيئات العلمية والثقافية

من الواضح والمحسوس أن مؤسسات التعليم العالي في بلادنا قد توخت في السنوات الأخيرة اعتماد مبدأ تخفيض النفقات والأخذ بمقاربات ومرجعيات خارجية على حساب تقريب المرافق العمومية التعليمية من المواطنين مع ما في ذلك من اخلال بالتوازنات الجهوية والاقليمية التي هي في الواقع معطيات جوهرية في التنمية البش والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ثم أنه من الملاحظ أن المسؤولين في جامعة نواكشوط قد اختاروا إضفاء صبغة مهنية على النظام التربوي والمسير للكليات مما انعكس سلبا على مفهوم الجامعة ولم نر له أثرا كافيا على مستوى المخرجات ، ولن يتأتي ذلك إلا بواسطة مناهج ونظم وبنى تحتية غير الحالية. فالمعاهد المتخصصة في الزراعة والبيطرة والهندسة بجميع فروعها والاقتصاد ومكافحة التلوث النهري والبحري ...الخ التي تقام على مستوى بعض الولايات بحسب قدرات وخصائص كل اقليم ستكون هي الحل الأنسب والأقرب الى المواطن في حاجياته وثقافته وهي الأولى بأن تعطي للأطر الوطنية كفاءات عالية تخدم حاجة السوق .

وبذا تكون مرجعياتنا واقعية ومنطلقة من موريتانيا التي نجاورها وتجاورنا ونسكنها وتسكننا .

 

ومعذرة إذا كنا قد أطلنا وعفوا إذا كنا قد قصرنا ، فالخير أردنا والعلم كل العلم عند الله .

 

* وزير وسفير وأستاذ جامعي سابق