اختتمت ليلة أمس بمقر بيت الشعر في نواكشوط فعاليات الدورة الرابعة من "مهرجان نواكشوط للشعر العربي" الذي ينظمه بيت الشعر، وسط إجماع المشاركين على أن دورة المهرجان، التي نظمت هذا العام تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، شهدت نجاحا غير مسبوق.
وبحضور نخبوي حاشد قدمه مديرا بيت الشعر في نواكشط والشارقة على التوالي: الأستاذ الدكتور عبد الله السيد والشاعر محمد عبد الله البريكي، أعلن الأستاذ الدكتور أحمد ولد أباه الأمين العام لوزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان اختتام فعاليات الدورة الرابعة من "مهرجان نواكشوط للشعر العربي"، كما تسلم نسخا شرفية من دواوين الشعر الموريتانية الصادرة مؤخرا عن دائرة الثقافة بالشارقة.
وفي كلمته بالمناسبة، قال الأمين العام لوزارة الثقافة "كم أنا سعيد أن أكون معكم في هذه الليلة المباركة التي نتفيأ فيها ظلال دوحة اللغة العربية الوارفة في بيت شعرها الأصيل في بلاد شنقيط موريتانيا التي عرفت ببلاد المليون شاعر، وليس غريبا أن يكتشف إخوتنا في المشرق شاعرية أبنائنا وفصاحتهم في هذه اللغة التي هي أم لغات العالم التي تحتضن مخزونا عالميا من التراث الإنساني والقيم والاخلاق النبيلة والفضيلة سواء في شعرها أو نثرها، ويكفيها فضلا وجلالا أنها احتضنت قبل ذلك كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
وأورد الأمين العام نماذج من الشعر الشنقيطي والشعر المشرقي الذي يعبر عن مكانة اللغة العربية وفضلها.
وقال إنه جاء "إلى هذه الأمسية المباركة نيابة عن وزير الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان لكثرة مشاغله في هذه الأيام لأختتم معكم هذا اللقاء المبارك الذي شرفنا فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز بأن وافق على أن يكون تحت رعايته السامية وهي ميزة نشكرها لصاحب الفخامة حيث عرفت عنايته باللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية وكل ما يخدم هذا الوطن ويخدم الأمة الإسلامية والعربية جمعاء".
وأضاف "كما أننا في قطاع الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان،
وبإشراف من معالي الوزير الأول المهندس محمد سالم ولد البشير، نعمل على تأطير الشأن الثقافي في مختلف مجالات المعرفة وندعم كل من يقوم معنا في هذا الاتجاه، حفاظا على هوية الأمة وثقافتها ونسعى لتطوير هذا الإنتاج الأدبي وتسويقه وتقديمه للعالم حتى يعرف ما في ذخائر لغتنا من النفائس الكبيرة والمضامين الإسلامية الإنسانية السامية التي تدعو للمحبة والتآخي والسلم الاجتماعي وتنشر سمات العدل والفضيلة والكرامة بين مختلف بني الإنسان أيا كان انتماؤهم العرقي أو الثقافي أو الديني".
وثمن الأمين العام جهود حكومة الشارقة التي تصب في دعم الثقافة وتعزز أواصر المحبة والقربى التي تجمع الجمهورية الإسلامية الموريتانية مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، موجها جزيل تشكراته "إلى بيت الشعر على تنظيم هذا المهرجان وحرصه على مواكبة جهود قطاع الثقافة".
وشهد حفل الاختتام تكريم نخبة أخرى من المشاركين، ليصل بذلك عدد المبدعين الذين كرمهم المهرجان على مدار أيامه الثلاثة، أكثر من عشرين (20) مبدعا.
وتميز اليوم الثالث والأخير من فعاليات المهرجان، باستماع الحضور للأمسية الشعرية التي توجت أعمال المهرجان وشارك فيها الشعراء: أحمدو آكاه، وماء العينين الأديب، ويحيى العربي، فيما أدارتها الإعلامية الغالية بنت أعمر شين.
وبدأت الأمسية مع الشاعر أحمدو آكاه، الذي أنشد قصائد من تجربته الشعرية أثبت فيها ولاءه "للشعر الملتزم بالغزل"، يقول في مطلع قصيدته "سجل العشاق":
في سماء النساء حلق نجــــــــمي
وتوالى في الحب أغلــــــب نظمي
أنــا للحب والنـــــسـاء رهيــن
لهمــــا الحكم ليـــس لي أي حكم
آه يــا آه مــنهما لــســـت أدري
أطــويلٌ أم سـوف يــقصــر فلمي؟
فــي صراع مــع الحــياة أغــني
وأنــادي في الجــو، في كل جــرم
يا إلــهي خفــف من الحــزن إذ قد
نــال منــي حتى خطـوطي ورسمي.
والشاعر آكاه يحدد في هذه القصيدة هويته وعنوانه، بل وسبيله بشكل يسائل السبيل نفسه، يقول:
مـا سبيــلي غير النســاء فهــل سو
ف يــجود السبــيل هذا بــــلثم
مــع أنــي لازلــت أقـنـع مــنه
بـفتـــاة تعنــى بجرحــي وكلمي؟
لست أدري إن النساء يواقيــــــ
ـت ولــكــن يرعــننا كل يــوم
ولــهذا أقــول مــن دون نـــكر
إنــــنــي عاشق وذا حد علــمي
وســجل العــشاق سجــلت نفسـي
فيــه حــتى سجلت رقـمـي واسمي.
ولم يبتعد الشاعر عن فضاء هم "سجل العشاق"، عندما أنشد قصيدته "ليل أنس"، التي يقول مطلعها:
فـي ليل أنــس طـــريف باسم صاح
يرنو به الحب في عــــرس لأفراحي
وللطــبيعــة فيه رونـق بــسـم
والـــجو يرقص فيه رقصــة الراح
مــــا كــان ذلك إلا عـند رؤيتها
والــبـدر طبعا مـــزيل ظلمة الساح
فإننـــي قبلها قـــد كنت في كمـد
يشقـــى به أصبر العشــاق يا صاح
وبعـــد رؤيتهـا قد صرت فـي فرح
شــتان ما بــين مهــموم ومـرتاح
لا تــبعدي بعــد إني لا أطـيق نوى
من نــحو جنبك ذاك الأبيض الضـاحي
في الثغر بدر وفــي الوجه المـنير كذا
والصــدر بدران فــيه بيـن مصباح
في كل ذلــك ما يســلي ويــجعلني
أحــب أعــشق أنفي كـــل أتراحي.
كما قرأ قصيدته "النص الأول: أغنية الغرام"، ومطلعها:
ما للغـــــــرامِ يغنــي وسطَ أوكـــــــاري
ويرتقــــــــــــــــــــــــي عاليا كرسـي أشعـــــــاري
ويرتدي مـــــــــن لباســــي جبَّـــــــــــــــــة سُكِــنت
مــــــــــــــــــــــــــن وجــــده بتــــــــــــرانيـــم وأوتــار
فالوجد يرقُـــــــــــــــــــــص والأحزان عـــــــــازفـــــة
في جـــــــــــــــــــــوه وسمـــــاه ذات أكـــدار
والفكر إذ ذاك أشـــــــــــــــــــــــــــــلاء مــمـــــــزقــــة
والحـب أثوابـــــــــــــــــــــه مــــــن دون أزرار
لكن للقلــــــــــــــــــــــــــــــــب أنغـــاما مخصصــــــــة
كمــــــا لــه كلمـــــــــــــــــــــــــــات دون مزمــار
عيشِــــــــــــــــي أحبك إني منـك في شغـــــف
أو حاولي عبثا تفجيــــــــــــــر إعــــــصاري
إن اللقاء بصبـــــــــــــــــــــــــح اللــــيـــــــــل يخبـــرنا
وللقطــــــــــــــــــــــيعة لـــــــــيلٌ دون إسفـــــــــار
قد حِرت منك فذكرى الحب تجعلنـــي
أمضـي وأحـــزانه كــــــــــــــــــــــــــي بمسمــار
فلترحمي حيرتي بل فــارحمــــــــــــــــــي ألمــي
ولتسمحي لي بتخفيف مـــــن اَوزاري.
بدوره، أنشدَ الشاعر ماء العينين الشيخ الأديب قصائد تمثل تجربته الشعرية، يقول مطلع قصيدته "إشراق":
همس الصباح وغرد الإشراق
فاسق الندامى فالكؤوس دهاق
سفرت إليك الذكريات وموجها
سكبته فوق ضفافها الأشواق
لا شوك في طرق الغرام يميطه
عنها الضياء المترف البراق
فاملأ طريقك بالورود فإنه
بعد النضارة تذبل الأوراق.
إلى أن يقول:
فالشعر ليس سوى حمام زاجل
تعطي رسائلها له العشاق
فلكم عبرت بحار وجدك سائحا
يحنو عليك نميرها الرقراق
ووقفت فــــــــي شطآنه متحديا
كالأنبياء يهابك الإغراق
وهجرت من كانوا ملائكة الهوى
والعذب يفسد طعمه فيراق
فعلام توقظ حسرتي يا حسنها
وأنا المريض وهمسها الترياق
وإلام أمشي والدروب فسيحة
وحصان عزمي في الغرام براق
والشـــــوق يا قديسة الدنيا له
مثل الفطائر نكهــــــــة ومذاق
وهواك ظل بارد وحضارة
في حضنها تتآلف الأعراق
فبأي كأس سوف تشرب أحرفي
والوقت عن شفة الحروف معاق
والمفردات كراقص في حفلة
يتشابه الساقي بها والساق
وأنا شربت الحب منك سلافة
سكرت على أنخابها العشاق
وقرأته سفرا وقد صدحت به
في فصحها الأجراس والأبواق
فالحب ناموس وأنت رسولة
نزلت به من عندك الأحداق
والهامسون الذابحون قصائدي
التاركون الحلو وهو زعاق
ويختمها بقوله:
خضبت شيب الأمنيات فما اختفى
والأمنيات خضابهــن نفاق
وإذا الأماني شيبت لـــم يستطع
تجميلـــــها العطار والحلاق.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الشاعر يحيى العربي، الذي قدم هو الآخر تجربته الشعرية من خلال ثلاث قصائد، يقول في مطلع قصيدته "نَمتْ في الهوامشِ"
نَمتْ في الهوامشِ من كلِّ أيوبَ
أصواتَه
مذْ أضاء ليونسَ حتى ارتوت بالنبوءة مشكاته
غريب نُفيّ من الوقتِ والطرقاتِ
ابتغى مهجراً ذاتَهُ
...
ويعبر للمستحيل السحيقِ بأشواقه
وما اعترفت أمه بحقيقةِ ما قاله وهوُ جدُّ جنينٍ
يصارعُ بالخبِ ميقاته
أسير لخيطين لن يتبينَ لونيهما
ويقترفان الذهول
يحِب بصدقٍ
وقد فاته الضد من كلّ شيء
وينتابه ألم الشك من كلّ حوى ستكسر ضلعا لتعبر
من شكه نحو ما فاته
ثم يجثو قليلا على فكرةٍ عبَرتْ
أتراها مجازاتُ ريح يخبئها النوءُ دونَ المطرْ؟
أتراني
كلاعب شطرنجَ قوّسَ عينيه نحو انكساراتِ قطعته وهي تخذل أفكاره بتأنٍ أليمْ
يعود إلى النص زحفا إذا ما رأى
الطقمَ يبتلع الهامش الأبديّ الذي خطّ رواته
يجدف عَودا إلى وجع البدء
إذ خيب الظنُّ مرساته
... ويكشف عنهُ الستار:
نبيا بدائيَ رعيٍ..
يبيتُ بجوعٍ
ويصبحُ – حقا - على مثل ما باته
يهشّ على الشمسِ بالحزنِ
ثم يسير مع الضوء ليلاً
يرتل إنجيل قلبٍ وتوراته
كلما انكسر القلبُ منهُ
أمال الى الضوء مرآته.
إلى أن يقول:
قد آنَ
أن تتوقّفَ الأنفاسُ.
سِرُّ الولادةِ... أن يموت الناسُ
وكرامة الماضينَ
وردُ قبورهم
ويكرّمُ الآتون
أنْ ينداسوا
لحظاتنا هذي ...عقاربُ
أُلصقتْ بِمُنبِّهٍ
تغتاله الأجراسُ
الموتُ
محضُ مسارحٍ ليلية
في مهدها تتشابه الأعراس
والحبُّ آخرُ صورةٍ للموتِ
قد عُزلَت عَن الهاماتِ فيها الفاسٌ.!
يواصل الشاعر يحيى العربي إنشاده مقدما تعريفه للحب، يقول:
الحب
لغم في الطريق
يصيدنا
ويموت من لغم الطريق
وحيدنا
بالكاد
نزرع بالقلوب قصيدة
فنبوح
كيما يستباح قصيدنا
نحيى
ونار البعد تلفحنا
ويصلى النار ضمن المذنبين
شهيدنا
يا حب
ماذا قد أتيت،
تميتنا
ويضخ حب الموت فيك وريدنا
يا حب،. تنهكنا
فنمضي سرمدا
والقلب ما إن نستريح.... يعيدنا
يا حب،
تجثو للضعيف بطعنةٍ
ويلين للطعنات منك عنيدنا
يا حب،
يا لغة الشقاوة،
قد فرضـت
بأن يعيك شقينا وسعيدنا
....
ماذا بقي،
فكل حب خائن
ونريده
إذ للشقاء يريدنا
لم تبقٓ إلا أنةٌ
مشتاقة ان لا يطير مع الحمام بريـــدنا.
هذا، وكانت الجلسة الصباحية للمهرجان قد شهدت تنظيم ندوة علمية هامة تحت عنوان "دور الشعر في التواد والتراحم"، شارك فيها خمسة دكاترة من أبرز الأساتذة والأكاديميين الموريتانيين هم على التوالي الدكاترة: أحمد أمبيريك، ومحمد الأمين محمد محمود، وبلال حمزة، وعبد الوهاب محفوظ، وأم كلثوم بنت المعلا، التي أدارت الندوة.
ندوة "دور الشعر في التواد والتراحم"، بيَّـن من خلالها الأساتذة المحاضرون أهمية ودور الشعر في تكريس ثقافة السلم الاجتماعي وإشاعة قيم المحبة والتسامح والجمال، وقيم الإنسانية الأصيلة، عارضين نماذج من الشعر الموريتاني والعربي التي تغنت بالوحدة الوطنية، ونبذ الظلم والكراهية، ونشر الوعي الجمعي بمفهومي التواد والتراحم.
وتمكن الأساتذة من تأطير موضوع الندوة بأسلوب منهجي علمي وزع على محاور عدة في مفهوم دور الشعر في التواد والتراحم، وذلك من خلال المنظور الفلسفي وكيف نظرت الفلسفة الحديثة إلى الشعر ودوره في إرساء القيم الفاضلة، ومن خلال التعليم والكتاب المدرسي (موريتانيا نموذجا)، ومن منظور تاريخي، وأيضا من خلال رؤية علم الاجتماع بصورة عامة للثقافة والشعر في تقوية الوحدة الوطنية.