1إ
شكال التغيير في الدول السائرة في طريق النمو معقد للغاية؛ الأمر الذي لا تراعيه كثير من النخب، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتنافس الانتخابي، أو يرتبط بمحاولات "التغيير" التي تمت أو تتم فيما يطلق عليها بعضنا "ربيعا" أو "حراكا"، أو "ثورة"...
2
السياق الجغرافي الذي ننتمي إليه يجمع كيانات، أغلب ما يميزها أنها أسواق استهلاكية؛ مرتبطة بكيانات منتجة ارتباط تبعية، وأن تلك التبعية قائمة على جملة من الاتفاقيات والنظم والقوانين لا فكاك منها...
3
ومن هنا فرضت على هذه الكيانات التابعة مستويات من الرفاهية والاستهلاك لم تصلها عجلتها الانتاجيه، فرضت عليها نظم من التسيير والتدبير لا تحتاجها: كم من الوزارات والإدارات، والمصالح، تقنيات معقدة في مجالات لا تحتاجها، أسلحة فتاكة وحواسيب تنتهي صلاحياتها قبل استخدامها...
4
وأكثر من ذلك فرض عليها توقيع قوانين والدخول في اتفاقيات مخلة بنظمها الثقافية والدينية، مناقضة لمصالحها الاقتصادية، بعيدة كل البعد عن مشاكل واقعها المعيش وتطور مجتمعاتها: ويمكن على سبيل المثال لا الحصر ذكر اتفاقيات المرأة، والطفل، والتجارة العالمية، والطاقة الذرية...
5
وفي السياق ذاته كانت الديمقراطية موضة العقود الأخيرة من القرن المنصرم؛ خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وقبله الاتحاد اليوغسلافي، وكانت النظم الأحادية، باستشارة نخبها ، هي من بادر إليها لإنقاذ نظمها من غضب الأحادية القطبية التي رفعت شعارها: "الغرب والآخر" (the west and the rest) ، لكن المجتمعات لم تكن قد بلغلت مستويات التحول إلى هذا النظام الذي زاد في التكاليف دون مردودية اقتصادية؛ بل أسهم في إذكاء النعرات الضيقية، واستفحالها على حساب مفهوم الدولة، وأعطى للولاء الدور الأكبر على حساب الكفاءة؛ بالإضافة إلى ابتلاءات أخرى نتحاوز ذكرها خوفا من الإمعان في جلد ذواتنا...
6
والآن ونحن على أعتاب فصل من هذه "الديمقراطية"، التي نرجو أن تكون مباركة، أحب أن ألفت انتباه نخبنا إلى الأمور التالية:
- لا أرى داعيا للتخوين: فنحن دولة حديثة، وجيل الاستقلال ما زال أغلبه حيا لله الحمد، والوجوه التي عزرت هذا النظام أو ذاك ونصرته معروفة...
- لا أرى ضرورة للمفاضلة بين المرشحين على أساس سابق مدنيتهم أو عسكريتهم؛ فكلهم مواطنون خدموا وطنهم من المواقع التي كانوا فيها؛ خاصة إذا تذكرنا أن الفترة المدنية ليست بأحسن من الفترة العسكرية، وأن المدنيين الذين سيروا في الفترات العسكرية ليسوا، بالضرورة، بأفضل من العسكريين، ولا العسكريين الذين سيروا في الفترة المدنية بأفضل من المدنيين.
- من حق المعارضة أن تطالب بما يضمن نزاهة الانتخابات، لكن من حق الأغلبية أن تأخذ من المعارضة موثقا بقبول نتائج الانتخابات، واحترام من يختاره الشعب وعونه للنهوض بالتنمية.
- ينبغي أن نبتعد فيما نقول وما نكتب، في مسيراتنا ومهرجاناتنا، وتجمعاتنا عن الكلام الجارح والنقد الذاتي، والوعود الموجهة للذوات... فالكلمة الطيبة والقول المعروف أجدر بنا من غيرها.
- بعد الانتخابات أرى أنه ينبغي أن نستفيد من الديمقراطية في مزيد من التشاور والتعاون بين الأغلبية والمعارضة؛ فالكفاءات قليلة، والموارد محدودة، ونحن في بداية الطريق، ولا ينبغي أن يشعر الإنسان أيا كان بضرورة زوال الدولة أو النظام المنتخب إذا فاته بعض تحقيق طموحه الشخصي.
7
- مستقبلا ليس بالديمقراطية وحدها يمكن أن نتقدم فلا بد لنا من الاعتراف بواقعنا الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، لا بد لنا من الصلح مع ذواتنا، ووضع أسئلة الأولوية قبل غيرها: هل هناك فعلا قطاع خاص يمكن أن يسهم في عجلة التنمية فتسند له مرافق حساسة كالتعليم والصحة والتأمين؟ ما هي القطاعات التي ينبغي أن نركز عليها وكيف نركز عليها؟ هل نحتاج التكوينات المطلوبة للواقع الفرنسي والياباني والأمركي أم إن واقعنا يتطلب تكوينا مغايرا؟ هل نحتاج القروض المشروطة بالإشراف على تسييرنا؟ هل برامج الدعم القطاعي "بخبرائها" التي تمنحها لنا، مشكورة، بعض الدول مفيدة لتنميتنا؟