في يوم 23 يونيو من السنة المنصرمة تم الإعلان رسميا عن فوز ولد الغزواني برئاسة موريتانيا، إعلان صاحبته مناوشات ليوم ونصف، كنت شاهدا على بعضها ولم يتجاوز عدد المتظاهرين فيه حوالي العشرين شخصا من أنصار أحد المترشحين، أطلقت الشائعات ودخل الجيش العاصمة، وتحدث الجميع عن مخطط خطير وخبيث، داهم الأمن مقرات المترشحين وأغلقها، واعتقل بعض المناضلين، وتم قطع الإنترنت، وزير الداخلية يستدعي المترشحين، ومستشار ولد الغزواني يتصل بالسياسيين، الجميع يطلب من أنصاره الهدوء وعدم الانجرار خلف مخطط خطير يستهدف أمن البلد واستقراره، والجميع يستجيب !
انقشع الغبار واستتب الأمر لولد الغزواني، وبدأ يتصل بالمعارضة فرادى ومن يخرج يتحدث عن حسن إصغاء ونية حقيقية للإصلاح – وكأنك تستمع لسفير دولة يصرح بعد لقاء رئيس أخرى – لكن تيار الرجل والوقائع يعطيان صورة أخرى، ولد الغزواني يحيط نفسه بمقدمين هم مزيج بين نظام سلفيه ولد الطائع وولد عبد العزيز، والمعارضة تتمسك بحسن النية والإصغاء ولعب دور الحارس، وهو دور وارتماء عابتهما بالأمس، وأصبحنا بتهكم نتحدث عن معارضة ناصحة وناطحة.
يؤتمن على أمن البلد واستقراره أي مواطن عادي يدرك أهميته، ولا يزايد على أي كان حين الحديث عن الأمن والاستقرار ولا يخير بينه وبين الحق في المواطنة الكاملة، وواهم من يظن أن أمن البلد أو استقراره ينبني أو يرتبط بالرضوخ لأي ضابط يمسك بخيوط المؤسسة العسكرية ويعلن نفسه رئيسا، ويخير بين التعامل معه كأمر واقع أو الذهاب لأتون الفوضى والحروب الأهلية، من يحارب اليوم من أجل ولد الطائع أو ولد عبد العزيز.. ؟
إن الخطأ الذي ترتكبه المعارضة اليوم ودون أي تنازل أو تعهد من النظام هو تجاهلها لما يفعله والتخلي عن دورها، والتمسك بالمسافة التي يجب أن تظل بينها وبينه، وأوسمة الوطنية التي يقسمها النظام وأعوانه هي آخر ما يجب أن يشغل بال المعارضين، ولم نعهدهم ينتظرون التوجيه أو التوشيح من الرئيس أو وزير داخليته أو مدير أمنه !
إن الاختلاف الوحيد بين ولد الغزواني وأسلافه هو في الإخراج، فانقلابه على رفيقه أتقن إخراجه حتى ظن كثر أنه جاء للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، وأن ما حدث مجرد تبادل سلمي على السلطة في دولة ديموقراطية، وهذا الإخراج أراد منه تجنب مشكل الشرعية، والاعتراف، ومن يظن غير ذلك واهم، فولد الغزواني صرح أنه ليس ذاك الثائر أو المناضل القادم من صفوف المعارضة، وعليها أن تحن عليه وتحرسه، وهذا صحيح فقد جاء من المؤسسة العسكرية ويحكم بها، وحين يأتي الدور لغيره حينها قد يلتحق بصفوف المعارضة.
لم يختلف ولد الغزواني عن ولد عبد العزيز وولد الطائع وسابقيهم من الضباط في أي شيء، فقد جاء من دوائر السلطة مستخدما موقعه للتحكم في البلد، وسالكا نفس الطريق، حتى أنه لم يدع غير ذلك، فلم يقدم نفسه على أنه ذلك المصلح، فاتحا ملفات الفساد معلنا الحرب عليه، محاولا استرجاع بعض ما سرق من هذا الشعب المسكين، خصوصا قائم الذات منه كالمصارف، والقصور، والشركات الخصوصية التي قامت على أنقاض أخرى للدولة تم تفليسها، كما أن السياسة العامة اتجاه المواطن لم تختلف، فمازال المواطن الحلقة المهملة والأضعف، مازال صراخ ضحايا حفر الذهب والطرق يصرخون دون من يرق لهم أو يتحمل بعضا من المسؤولية اتجاههم، وإنما على أسر أولئك الضحايا الذهاب إليهم وإحضار جثثهم كما رد والي نواذيبو على ذوي ضحايا حادث السير حين استنجدوه !
مازال التمسك بالقمع كخيار أول يسبق التفكير في حل آخر، كما حدث مع الطلاب، الجريمة بنفس الانتشار والضحايا في ازدياد، صفقات مشبوهة أبطالها مقربون اجتماعيا من الرئيس وهو في السنة الأولى من حكمه.
ومن آخر ما شغل به النظام الحالي الناس هو مؤتمر حزبه ويكفي تعليق أصحابهم من الداخل على ما حدث، ألفي شخص من مختلف مكونات الشعب بهم مثقفون وسياسيون لم تسول لأي منهم نفسه الاقتراح أو إعطاء رأي، وإنما ظل الكل ينتظر ويترقب أوامر السلطة وتعييناتها ليرفع يده موافقا، مؤتمر غاب فيه كل جديد، حتى الأوجه، هي أوجه الحزب الجمهوري واتحاد ولد عبد العزيز الأمس ولد الغزواني اليوم ومن يأتي بالغد أو بعد الغد.
هذه نماذج مما حصل ويحصل الآن وليست كله، ولم أر فيها ما يستدعي أو يبرر ارتماء المعارضة في حضن النظام ولعب دور الحارس له، فهذه مجرد نسخة من نظام عسكري تم إخراجها بشكل مختلف، وهي التهديد الحقيقي لأمن البلد واستقراره، ولعل القادم أقنع من حيث الشكل والإخراج، فترقبوا القادم الجديد أو العائد يخرج من بين المتظاهرين وكأنه بطل شعبي قائد لثورة شعبية !
«وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين».. صدق الله العظيم