اعتبر المشاركون في ندوة نظمت أمس الجمعة في إطار فعاليات الدورة الـ26 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء ، أن مجالات الأدب والفن والموسيقى استطاعت نسج علاقات وطيدة وقواسم مشتركة بين المغرب وموريتانيا .
وتوقفوا خلال هذه الندوة ، التي حملت عنوان " الأدب والموسيقى: القواسم المشتركة بين موريتانيا والمغرب"، كذلك عند دور الثقافة عموما، وكذا التاريخ ، في تعزيز العلاقات والروابط بين البلدين الشقيقين الجارين .
وفي هذا الصدد تناول السيد محمد أحظانا، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين والمستشار الفني لوزير الثقافة المكلف بالثقافة والفنون، إسهام الفنون الغنائية في تقوية العلاقات الثنائية، مستحضرا بشكل خاص ما يسمى بـ"أَزَوَان" في المنطقتين، أي الموسيقى، وأيضا ما يسمى بـ"الغْنا"، وهو الشعر الحساني ومقوماته الأدبية وتصنيفاته وأنواعه وتاريخه المشترك، كما تناول اللغة والثقافة الحسانية ومقوماتهما وخصائصهما.
وقال إن الموسيقى الحسانية ، التي لها عدة مقامات ، تدمج أحيانا بين المقامات السباعية والخماسية، فضلا عن أنها مجال كبير وحيوي للتمازج الثقافي بين البلدين، لأنها تقوم على أساس العلاقات الحريرية الناعمة، ولأنها تواصل ناعم قائم على أساس الجماليات الفنية والأدبية.
وبعد أن أشار إلى أن هذا النوع من الجماليات هو الذي تقوم عليه العلاقات القوية التاريخية بين البلدين، قام بمقارنة بين الموسيقى الأندلسية والمغاربية والإفريقية، لافتا إلى أن الموسيقى الحسانية استطاعت أن تدمج بين كل هذه الأبعاد، لأنها صاغت 24 مقاما أو نوبة موسيقية بشكل جيد ومتقون، يدرس دراسة دقيقة.
ونوه رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين بضرورة الاستمرار في دراسة واستثمار هذا الجانب في العلاقات الثانئية ، لأنه لم يكتشف بما فيه الكفاية كمجال للتواصل. وقال: "اكتشفنا المجال الاقتصادي، والجغرافي، والتاريخي، والسياسي، وحتى المجال الأدبي الفصيح، ولكن ما يسمى بالمجال الأدبي الشعري والمجال الموسيقي والفني لم ينل بعد ما يكفي من العناية ".
وعلاقة بالموضوع نفسه ، ركز السيد أحمد عيدون، باحث مغربي في علوم الموسيقى، على مركزية الشعر في الثقافة الحسانية، باعتباره ديوان الحسانيين، والذي حافظ على اللغة والأمثال والحكم والتاريخ، وأيضا المواقع الجغرافية وأسمائها.
وأضاف أن الشعر له ارتباط وثيق بالموسيقى، حيث كان الشعراء في موريتاينا والساقية الحمراء ووادي الذهب يسمون بالـ"مْغَنيين"، أي أن الشعر والغناء لهما ارتباط كبير تماما ، كما حدث في فترة من فترات تاريخ الأدب العربي ، حيث كان الشعر يُنشذ ويُترنم به ولا يلقى فقط.
وأبرز عيدون أيضا العلاقة التبادلية بين الموسيقى والشعر، فيما يتعلق بالمعجم المستعمل، والذي هو في أغلبه مشترك، حيث تستعمل نفس الكلمات والمصطلحات سواء في الميدان الشعري من ناحية العروض والأساليب البديعية والبيانية، أو في الموسيقى، وعرج على مجموعة من العوامل المرتبطة بتكوين الثقافة الحسانية نفسها. وقال : "هي ثقافة عربية أمازيغية وإفريقية، الجزء الكبير منها ألفاظ عربية، وأيضا هناك كلمات كثيرة أمازيغية تستعمل سواء في المجال الصحراوي أو الأمازيغي".
وأوضح الباحث المغربي أن الثقافة ليس لها حدود، لأن التبادل ظل على مستوى قرون، سواء في الفقه أو الشعر أو الأدب أو التصوف وغيرها، حيث كان هناك مشترك أساسي هو ذلك الاهتمام الكبير الذي اهتم به المغاربة فيما يخص نشر الإسلام في غرب إفريقيا مرورا بموريتانيا، فضلا عن القوافل التجارية المعروفة في قرون عديدة في الحضارتين المغربية والموريتانية، وغيرها.