أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
يصادف تاريخ مسيرة الميثاق السنوية هذا العام شهر الانعتاق والتحرر، شهر التسامح والوحدة، شهر المحبة.. وهي مناسبة لأن ننظر بمناظير هذا الشهر الكريم تجاه المظالم والقضايا العادلة ووحدتنا الوطنية.
كما تأتي ذكرى المسيرة في ظرف خاص بجهود محاربة داء كورونا المستجد، الذي منع من تنظيمها بالطريقة التي كنتم تعبرون بها كل سنة عن إيمانكم، وجديتكم تجاه هذه القضية..
لقد اختارت قيادة الميثاق ألا تسعى لتنظيم المسيرة هذا العام بالطريقة العادية حماية منها وتعزيزا لجهود محاربة هذا الوباء الذي نسأل الله أن يرفعه عن بلادنا، وكل البشرية..
أيتها الموريتانيات
أيها الموريتانيون
إن الظروف الخاصة والحساسة هي خير وقت نعلن فيه أن بلادنا بحاجة إلى مراجعة أساسيات التعايش بين مواطنيها، وهي أفضل وقت نعيد فيه النظر في طريقة تعاملنا مع المظالم، وهي خير وقت للقول إن مشكل لحراطين هو قضية موريتانيا الأولى وإن أي خطة ترسم لصناعة مستقبل للتعايش في هذا البلد يجب أن تكون في مقدمتها، ووسطها وخاتمتها، إجراءات تغيير واقع لحراطين المعيش..
أيها الإخوة والأخوات
ترتسم أمام ناظري الآن جموعكم وهي تتدفق من كل شارع، وكل ساحة وكل حي، متنادين إلى مسيرتكم التي تُذكرون بها منذ سبع سنوات أنفسكم، وسلطات بلدكم، والفاعلين فيه، وتذكرون العالم من حولكم أن معاناة لحراطين قد طالت ويجب أن تتوقف..
أتذكركم الآن وأنتم تسيرون خلف المرحوم محمد سعيد ولد همدي و ببكر ولد مسعود شفاه الله و عافاه وغيرهم ممن أسسوا هذا المشروع، وأنتم تنتظمون صفوفا تحثون الخُطى معلنين أنكم وعيتم أن هذه المعاناة ظلم وقعت فيه الدولة والمجتمع، والأفراد، وأن عهدا من اللحمة والتآخي يجب أن يشرق بإنصاف المظلوم، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، يجب أن يشرق ببناء وطني تقوده الدولة، ويدعمه المجتمع، وينهض به الإنسان الموريتاني في كل مكان..
والموريتانيات والموريتانيون
في الوقت الذي أخاطبكم فيه في الذكرى السابعة لأول مسيرة انتظمنا فيها معا تحت راية الميثاق، وبعد عقود من النضالات التي قادها الشرفاء من أبناء هذا البلد، ممن تحضرنا صورهم، ونضالاتهم، ولا يسمح لنا الوقت بذكر أسمائهم، عليهم سلام الله في الخالدين؛ أحياء وأمواتا..
في هذا الوقت أيها الإخوة والأخوات، وفي هذا العام الستين من عمر الدولة الموريتانية والعام الثامن من نضالنا في الميثاق..
تعود القضية العقارية لتطل برأسها معلنة أنها أحد الملفات التي يجب أن تكون بداية لأي عمل جاد، وأي استراتيجية وطنية تهدف للقضاء على الرق ومخلفاته..
ففي بلد يجرم الرق ويعاقب على الممارسات الاسترقاقية، لا يزال الأرقاء السابقون محرومين من عدالة حقيقية تمكنهم من تملك أرض أحيوها بعرقهم، وسالت فيها أرواح أجدادهم، وأفنت نساؤهم ورجالهم زهرات شبابهم، في غراسها واستصلاحها وخدمتها..
إن هذه الأراضي التي احتكر الواقع والممارسة حق ملكيتها لأسر، وقبائل وشخصيات، تشهد على أن أولئك الرجال والنساء هم من يعرفها، وكل حبة رمل فيها شاهدة على أنهم من خدمها، وصبر على أذاها، وقاسى صروف العذاب من أجل أن تكون شيئا مذكورا، حتى إذا جاءت الدولة والقوانين، وجدوا أنفسهم غرباء يجب أن ينصاعوا لقرارات مالك لم ينفق عليها ساعة من نهار، إلا ليتمتع بثمارها، أو يجني محصولها...
إن وضعية الأرض عموما، وخاصة الزراعية منها تمثل قنبلة موقوتة على السلم الأهلي في كل ربوع الوطن، ما لم تجد الدولة حلا سريعا ينصف من خدموا الأرض، وأراقوا فيها دماءهم، وعرقهم، وأنفقوا فيها أعمارهم..
من العار أن تكون الأراضي الزراعية في موريتانيا موطنا لواحد من أبشع أنواع الإقطاع التي تخلى عنها العالم منذ قرون..
لقد رعت الدولة بأجهزتها الأمنية والإدارية، والسياسية، وحتى القضائية للأسف، وعلى مدى عشرات السنوات هذا الإقطاع، وزجت بضحاياه من لحراطين في السجون والمعتقلات.. تكريسا لهذه الممارسة البشعة، وتكريسا لملكية قدامى الأسياد لكل تلك الأرض وناسها، وريعها.. وهو أمر أفرغ القوانين المنظمة للملكية العقارية من أي مضمون وحولها حبرا على ورق..
أيتها الموريتانيات.. أيها الموريتانيون
أيتها الدولة الموريتانية ممثلة في سلطاتك العليا،
أيها السياسيون والصحفيون والمثقفون والمدونون ..، إلى كل ذي عقل وبصيرة وضمير
إننا ومن على هذا المنبر، منبر الميثاق.. نقولها وبكل صراحة، ومن دون أي تردد.. إنه لا معنى لأي محاربة للرق، ولا محاولة للقضاء على مخلفاته، ولا حديث عن الرفع من مستوى أداء الدولة وأجهزتها في هذا الملف.. لا معنى لكل ذلك، ما لم يحل ملف العبودية العقارية ويقضى على بؤرة عدم الاستقرار التي تمثلها، بإجراءات حقيقية وصارمة، وصادقة، تتجسد على أرض الواقع بشكل سريع، وتأخذ في الحسبان ضرورة تحقيق العدالة بالانحياز إلى الضحايا التاريخيين من الفئات الهشة خاصة فئة لحراطين..
أيها الإخوة والأخوات..
لا أستطيع أن أنهي هذه الكلمة دون القول إننا نتابع كل الإجراءات والمشاريع التي تقوم بها حكومة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ونعطيها الفرصة، ونستقبلها بحسن نية، ولا نريدها أن تلقى مصير كل المشاريع السابقة التي شيدت لمعالجة الملف وتحولت إلى بؤرة لكسب بعض المال، ولم ينل منها لحراطين إلا فتاتا يذكرهم بأنهم كانوا يوما عبيدا، وأنهم ما زالوا يصنفون ضمن الفئات الهشة
إن تطبيق القوانين، وتطويرها، والعدالة في توزيع الثروات، ووضع سياسات تمييز إيجابي لصالح لحراطين، والإصلاح العقاري، والتعليم.. مقدمات ضرورية لكل عمل جاد من أجل تجاوز هذه المظلمة التاريخية .
حفظ الله بلادنا من كل مكروه، وإلى لقاء قادم ومسيرة قادمة، ومناسبة قادمة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته