تعليقا على بيان النيابة العامة :
1- (في إطار البحث الابتدائي الذي تباشره مديرية مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، بموجب تكليف من النيابة العامة، بناء على نتائج التحقيق البرلماني)
نتائج التحقيق البرلماني بقيمة بلاغ بوقائع من شأنها أن تكون جريمة فى مفهوم قانون الفساد ،بلاغ لم يصل وفق الطريقة المنظمة لما تكشفه التحريات والبحث المقام بهما من طرف إحدى هيئات الرقابة والتفتيش ؛ حيث كان المفترض حسب (المادة 25) من القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الفساد أن تقوم تلك الهيئة بإحالة الملف للنيابة العامة وهو مالم يتم .
فى جميع الأحوال لم يكن للجنة التحقيق تكييف ما وقفت عليه من ما عدته مخالفات ،كما أن المفترض أن نظرة الضبطية والنيابة العامة ، صاحبة الاختصاص بالتكييف ، لمن وردت أسماؤهم بالتحقيق البرلماني لن تتمحض فى اشتباه بمن وردت أسماؤهم بناء على تكييف اللجنة البرلمانية قبل الاستماع لهم على الأقل .
الاشتباه لاحق على الاستماع وقد يتولد منه أو عنه وإن ليس بالضرورة ، فالمستمع لهم قد لا يصلون مرحلة الاشتباه .
2- (قد حضر المشتبه به بنفسه، وتم إبلاغه بجميع حقوقه القانونية)
الحديث عن مشتبه به وعن حقوق له من بينها "إخبار أسرته بوضعه القانوني وتمكينها من حق زيارته" وحقه فى" اللقاء مع المحامين في ظروف تكفل سرية اللقاء وتضمن حق الدفاع" يعنى كل ذلك أن الشخص أصبح مشتبها به . و قد تم الاحتفاظ به قيد الحراسة النظرية المقررة فى حق من تقوت أدلة تبرر اتهامه ومن ثم يتم التحفظ عليه فى مخافر الضبطية طيلة المدة المحددة للحراسة النظرية ، ليتم بانقضائها تقديمه إلي وكيل الجمهورية فى مقتبل مسطرة قضائية تمر بقاضي التحقيق وتنتهى بالتدرج على سلم التقاضي .
3- (أن جميع الحقوق المقررة في القوانين للمشتبه بهم تم تمكينهم منها على قدم المساواة، ودون تمييز)
وقع تمييز إذا بين من سماهم البيان "مشتبه بهم" ؛ فوحده من منح :"حق اللقاء مع المحامين في ظروف تكفل سرية اللقاء وتضمن حق الدفاع ،و حق إخبار أسرته بوضعه القانوني وتمكينها من حق زيارته " ومن أخبر ، ومن بعده الرأي العام ، "بوضعه رهن الحراسة النظرية " هو من يناسبه وصف المشتبه به .
أما غيره ممن استمع لهم وانصرفوا لشأنهم فلا ينطبق عليهم وصف المشتبه به وقطعا ليسوا رهن حراسة نظرية !
4- (أن حق المحامي في مؤازرة موكليه أمام الضبطية القضائية لا تعني بالضرورة الإشراك في عمليات البحث التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية، طبقا لقانون الإجراءات الجنائية)
صحيح ، ومع ذلك يمكن للمحامي أن يلعب دورا مساعدا للبحث بما له أن يقدم أثناء تمديد الحراسة من وثائق أو ملاحظات مكتوبة .(المادة 58)
5- (أن المادة 55 من قانون الإجراءات الجنائية لا تحدد آجالا معينة لاستدعاء ضابط الشرطة القضائية للأشخاص الذين يود الاستماع لهم)
القول بذلك تأسيسا على (المادة 55 /إ -ج) اجتزاء مخل ؛ فاحتجاز من عنت (المادة 55) مقيد ب :
ا- الوقت اللازم "لأخذ تصريحاتهم "(المادة 57 )
ب- الوقت اللازم لاخذ تلك التصريحات(الفقرة الأولى من المادة 57) ليس له بالضرورة المنطقية أن يصل لحاجز الثماني والأربعين ساعة متصلة ؛لأنه حين يصلها سيطابق ما يترتب على تقوى الأدلة وتطابقها الذى يعنى حالة ثانية هى حالة الوضع قيد الحراسة النظرية (الفقرة الثانية من نفس المادة)
ج- الاحتجاز مقيد كذلك بالقيد العام المتعلق بمنع الإيذاء البدني والمعنوي لمن قيدت حريته بقبض أو اعتقال، ومن باب أولى من يستدعى لمجرد تزويد الضبطية القضائية بمعلومات عن الوقائع .ومعلوم أن طاقة الأفراد وقدرتهم على الحضور الذهني محدود بالساعات لا بالأيام ، وتخلتف بين الليل والنهار وبالمرحلة العمرية التى يعيشون .
لقد وقع بيان النيابة فى خلط حقيقي بين :
- الأشخاص الذين يستدعون من ضابط الشرطة القضائية للاستماع لهم لمظنة التزود منهم بمعلومات عن الوقائع محل البحث (المادة55/ف1) . والمدة المقررة لتمكينه منهم بالحجز هى الوقت الضروري لأخذ تصريحاتهم (المادة57/ف1)
- والأشخاص الذين قامت ضدهم أدلة قوية ومتطابقة من شأنها أن تسبب اتهامهم ومن ثم يخضعون للحراسة النظرية محددة الآجال فى بقية فقرات (المادة 57 /إ.ج) و(المادة 27 ) من القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الفساد.لكن سبب ذلك الخلط لا يعود لقلة الفهم أو سوئه بل لنزعة أمنية اقتضت الانتقال المباشر للاشتباه و الحراسة النظرية لتحييد أحد المستمع لهم ولو على حساب التقيد الصارم بالمساطر واحترام الحق الدستوري فى المساواة.