ول أبن المقداد

سبت, 22/08/2020 - 16:45

الترجمان "دود سك" المعروف محليا بمحمدن ول ابن المقداد ووالده هو الترجمان المختار المسمى "ابن المقداد بن الشيخ عبد الله وقد ولد بمدينة سين- لوي فى 24/سبتمبر/1867 وحين بلغ التاسعة ارسل إلي إكيدي من أرض الكَبلة بالجنوب الغربي الموريتاني تلقي العربية ومبادئ الدين ومكث هنالك أربع عشرة سنة تمكن خلالها من حفظ القرآن الكريم وتعلم العربية واتقن اللهجة الحسانية وعرف أسرارها فأجاد قرض الشعر الحساني والفصيح ، وقد تعلق بأرض إكيدي كثيرا فقال في أحد الأيام باكيا على أطلالها : 

سلم على إيكَيدي إن جئته= = وحيه مني على بعده 

وقل له إنني مقيم على= = مايعلم الرحمن من وده 

كان ول إبن المقداد يتمتع بشخصية فريدة من نوعها أبهرت أهل عصره وكان صاحب عهد ووفاء كما إشتهر بالكرم والسخاء والفضل فشهدت له بذلك ألسن الشعراء التي لاكت شأنه وألهمها كرمه حتى أن العظيم سيدي ولد هدار كان يوما يمشى فلقي الرجل المعروف ول ابن المقداد فقال :

لِ نوبَ وانَ فى التلوادْ "" الْ الارزاقْ أذاكْ الَّ شاقْ
وافذَ جَ ولْ ابنُ المقدادْ "" يلّال مفَكرْ الارزاقْ

كانت مدينة" سين لوي" السينغالية أو "اندر لبيظْ " بإسمها المحلي مدينة جميلة معتدلة الهواء تقع حيث "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان " مطلة على المحط الأطلسي الأزرق ونهر السينغال "لزرك" كانت معتدلة الهواء ،جميلة الدور والشوارع منظمة الحدائق أتخذها الفرنسيون عاصمة لهم ،وعاش بها البظان عصرا ذهبي لايزال حاضرا فى الذاكرة،وكانت دار ول ابن المقداد تقع في منطقة "سندونَ" فى "اندر" وتتكون من طابقين يصل بينهما سلم خشبي وكانت قلعة من قلاع الأدب والكرم والهول ومجالس "الفتيان" يقول عنها سيديا ول هدار وكان هو "مجّاد" ول ابن المقداد:

هاذِ الدار إلّ لا إخْلاتْ=عادت فيهَ لفلوحَ 

مخلاهَ إلّ ما اتباتْ=ليله ماهِ مفتوحَ

وكانت ب"اندر ساعة كبيرة بالساحة العمومية وكانت تدق عند تمام الساعة الثانة عشرة زوالا فيسمعها سكان "اندر" فيعلمون أن ساعة الظهيرة حلت مما يؤ ذن أيضا أن ساعة الغداء فى دار ابن المقداد حلت فيهرع الناس إليها فترترجف السلالم الخشبية من الزحام فيعم عليهم اللبن واللحم وتترع كؤوس شاي "المفتيل" المحلى بسكر "الصاك" وترتجف يدى "القيام" على أنغام التيدنيت وتهتز رؤوس الحاضرين طربا لما يذاع في مجلس ول إبن المقداد من بوح القريض وأمهات "لبتوت"

و يقول العظيم امحمد ول احمد يوره واصفا ذلك المشهد "متمزركا":

كنا إذا ضُربت وقت الزوال "ميِدي"=لم يلتفت أحد منا على أحد

ترى السلالم فيها القوم طالعة=ما بين مرتعش منها ومرتعد.

ويقول العلامة الكبير محمد فال ولد عينين :

إِلى الفَتَى (دُودُ) يَا نِعمَ الفَتَى دُودُ*
أسنَى سَلامٍ كَمَا قَد يَعبَق العُود

تَحِيَّةٌ كَأَرِيجِ المسكِ موجِـبُه *
أنَّ الثَّناءَ على المَحمُود مَحمُود

كأنَّمَا جَنَّة الفِردَوس مَنزِلُنا*
لَدَيهِ كُلٌ منَ الخَيرَاتِ مَوجُود

إِن شِئتَ مَائدةً مدَّت إليكَ وإِن*
تَشَأ كِتَاباً فَكُلُ الكُتبِ مَمدُود

تَحجُو مَوَارِدَه والنَّاسُ وَاردةٌ*
كمَا حَوَى حَرَمُ الوُرَّاد مَورُود

وخَيرُه خَيرُ مَمدُودٍ لَه طَرفٌ*
إذ بَعضُ خير ذوي الخَيرَاتِ مَحدُود

وأما عن صالونه الأدبي فقد تحدث أحدهم عن أول مجيئ لمحمد ول ابنو ول احميدا إلى دار ول ابن المقداد، كان فتى حدثا مغمورا لا يكاد يعرفه أحد قدم مع صديق له ، و كان ولد ابن المقداد يستلقي على أرجوحة توضع له في صالونه وعن يمينه الشاعرالأديب شمّادْ ولد أحمد يوره ، والأديب الوالد ولد القطب ، والولي ولد الشيخ يبّ ، وبعض كبار الأدباء وكان إمحمد ول أنكَذي " لعور"(انكْرِ) تيدينيتو وكان أعور أصلع قوي الصوت شجيه يقول له أحد الشعراء :

من كان أصلع فليضرب ليطربنا***أو كان أعور فليشدو بما شاءَا
ياليتَ كلّ مغنٍ كان ذا صلع*** أوكانت العين عينا منه عوراءا

ويقول فيه البيضاوي الجكني المعروف ب (باشا تَارُودانِتْ)

لَعَمرِي لقد خُضتُ القُرَى مِن كُناكِر ***وَجَاوزتُ أرضَ الصَّينِ بعد الجزائِرِ
وبالمغرِبِ الأقصَى دِيارِى ومنشئِي *** وسامرت أربَابَ الغِنَا والمزامِرِ
فماسمِعَت أذنِي ولم يَرَ ناظِــرِي ***كذَا الأعورالمشهُورِ عن كل شاعِرِ

وفي ذلك المجلس أخبر لعور الحضور أن لديه شورا جديدا يسمى "دزَّيتْ إمبرْ" لم يعزف من قبل وبدأ يشدو به فشحذ أداءه وصوته العذب ملكة الشعر عند المغنيين الكبارفافتتح كبيرهم محمدن ولد ابن المقداد السجال بهذا الكاف :

إمْبِرْ إلِّ كالْ الْمَجّادْ *** بُوصَلْعَهْ بُوخَزْرهْ مِن زِرْ
ذَاكُو كِيفْ إمْبرْ إلَعَادْ *** إلِّ لاهِ ينْكَالْ إمبرْ

بعد ها قال شماد ولد أحمد يورة :

النّاسْ إلَ كَالِتْ بَاجْنَاسْ*** عَنّكْ تكَدرْ تُحامِـرْ فُـرْ
ذاكْ ألاَّ كَولْ النّاسْ النّاسْ*** إتْمَشِّ لكَـوَارِبْ فِالْبِـرْ

وقال الوالد ولد القطب :

إمْخَمَّمْنِ فأمرْ الْغَيْدَاتْ *** عَوْدانِ نافدْ كَدْ إشْبرْ
وألاَّ نِكْبِرْ والطَّافِلاتْ*** كِذَّ كِـذَّ وحْـدَ تكْبـِرْ

فخاطب ولد احميدن لعور من طرف المجلس وكأنه يستاثر به دون غيره كول :

شاعِرْ فالْهَولْ إمْعاكْ إتْلَ *** إيْعودْ إفزرْ أوْ عِتْ إفْـــــزِرْ
ذاكْ الزِّرْ إمْنْ الهولْ إخْلَ *** ؤذاكْ الزّرْ إمنْ الهَوْلْ إعْمِرْ

فجلس ول ابن المقداد على أرجوحته كمن داهمه خطب قائلا ذاك كَافْ فيؤمن له ولد شماد نعم ذاكْ كافْ قطعا!

وجاء دور الولي ولد الشيخ يب الذي جعله حظه كمندوب يتصدي لهذا الدخيل والثائر الشرس إلى عالم الإبداع فقال كمن يمتحن قدرات متسابق :

حَدْ إمكَاطِعْنِ كَاطِعْنِ *** لمْكَاطِعْنِ كَطّاعْ إجْدِرْ
مايِكّْدِرْ حَدْ إيْكَاطِعْنِ *** أبْدَ مَا يِكَدِرْ مَا يِكَدِرْ

فقال ولد ابنو كمن يريد ان يحسم المباراة من أول جولة ملمحا لحادثة اجتماعية تخص الولي ولد الشيخ يب :

باعِدتْ الشَّلاتْ أُوذَ فاتْ *** مِنْ عَندْ إجْدرْ لِجْدر لِجْدرْ
وإيكَدْ إتْبَاعِيدْ الشَّلاتْ *** يَصْلحْ وإيكِدْ أفْطَنْ يِخْسرْ

فسكت الولي رافعا الراية البيضاء في وجه هذا المغمور المسموم اللسان :
فأردف ولد ابنو كمن يعلن انتصاره على سدنة لغن أو كمن يذيع البيان الأول متربعا على عرش سلطانه:

نَعْرَفْ لِغْنَ كِنْتْ إبْلَمْلاسْ*** مانكبرْ عنُّو مانِسْغِرْ
أوُكَلَّلْتْ انْدُورْ إنغِرْ النّاسْ*** كَلِّتْ لِغْنَ للناسْ إتْغِرْ

ويزعم البعض بأن ول بن "المقداد" في احدى رحلاته مع الفرنسيين في الاراضي الموريتانية اسرته فرقة عسكرية من اهل آدرار هو وضابطا فرنسيا كان معه ولما رجعوا بهما الى اهلهم استقبلهم الاهالي بالزغاريد والاغاني وبنوا لهم خيمة لتكون مكانا للاحتفال وعلقوا دود سك والفرنسي من ارجلهم في شجرة امام الخيمة وجاءت فنانة لتنعش الحفل وفي اثناء ترديدها لنحية قال لها ول ابن المقداد انت كٌولي:

وكتن ماريت التحجلِ ==== واهل في الكُبلَ بعدونِ
وجهتلكم ييديشل ==== مولان باطل كمونِ

فقالت الفنانة من هذا (كوري ام بيظان)؟ فقالوا لها تابعي ولا تهتمي لشأنه ثم انها تابعت بعد ان اصلحت أوتار آردينها وعزفت حتى شعر ول ابن المقداد بالطرب قال لها كٌولي:
عندك تاشبط في الترداد ===== ترغ واتصولح تنحٌ
والمهر اعل التاشبط زاد ===== اعياط شِبكَ ينبحٌ

فرمت الفنانة آردين وحلفت لا تمسه حتى يطلق سراحه فقاموا ليطلقوا سراحه فقال لهم والفرسي قالوا له اما الفرنسي فلا نطلق سراحه فقال لهم :

لايسلم ابن حرة زميله ======= حتى يموت او يرى سبيله

إشارة منه الى قصة ابي البختري ابن هشام يوم بدر فأطلقوا سراحهما ،وقد كان صاحب عهد و وفاء فتعلق بأهل آدرار كثيرا بعد تلك الحادثة حتى أن البعض قال بأن سبب وفاته "طلعة " أرسلها للأمير سيد أحمد ول أحمد العيده يحذره فيها من غدر المستعمر فوصلت الطلعة إلى "لَحْاكَتْ المستعمر " فدعاه الفرنسيون لوليمة مسمومة أسقطته قتيلا .

وكان ول ابن المقداد من شدة كرمه يحضر بنفسه توزيع الطعام في الجفان وكان يأخذ لقمة كل جفنة ليتأكد من جودة الطعام وأصبح المثل الشعبي يقول "لقمة ول ابن المقداد" ويقول فيه محمد ول أبن ول أحميدن ؛

ألا نعرفْ عنِ ذاليمْ = مانِ لاه فيه انْعمَمْ
مغلظْ مصنْددْ ممسْلمْ = منفقْ للضعْفَ محْذكْ زادْ
منحْ ومفقهْ مسكمْ = موحدْ مشْيعْ فالبلادْ
مسطْفلْ مفكْرشْ مكرمْ = معدَّلْ ولْ ابنْ المقْدادْ

وكانت مجالسه لا تخلو من الطرافة الأدباء وظرافة الشعراء حيث أن امحمد الهدار كان يوما في مجلس ول ابن المقداد والناس منشغلة في أطباق الغداء فوقف وقال : 

مصاب ال واكل فالحين "" فجيره ذيك التلي 
من هاذ الناس المعلومين "" اعطاني ذ الحين اوكي

كالول اشلاه اتعدل بيه ؟ فقال لهم.:

نشر وت ولل ثنتين "" نشر صيدح علالي
نشريلي كارب بن امتين "" انكريه اللادمي
نشر طيار اطير الين "" انواذيبو والمجريه
نشر لبطان الثنتين "" التلي والكبليه
نشر روص احطب معلومين "" نشر من لحموم اكديه
نشر منت احماد ما زين "" عند كون اتج مشريه
انخلص عن لمدايين "" اتبكالي طرنيشه حي

وتدور المساجلات ويتعاقب الأمراء والأعيان والشعراء والمطربون على "الدار إلّ لاإخلاتْ" :

ويجيئ إبّفال ول محمادو ويقول إِبَّفالْ إطلع زينات يمدح بها محمدن ول ابن المقداد،أعجبتْ سيديا ول هدار فقال:

كَالْ ابَّفالْ إمنْ التمْجاد=ْشِ زيْنْ إلْولْ ابنْ المقداد

وَ أَلاَّ هُوَّ نظمْ المرادْ=يَلاَّلِ مزْيَنْ ذَ إلِّ كالْ 

إبَّفالْ أُيَلاَّلِ زادْ=مّصْدَقْ ذَ إلِّ كالْ إبَّفالْ

ويجد ابفال في دار ول ابن المقداد صوره للأميرأحمد سالم ول ابراهيم السالم فيكتب على ظهرها:

وصف أحمد سالم كَال حدْ=عنُّ شافُ ب اخلافُ 

وصف أحمد سالم ما ايكَدْ=حـد إكَـولْ انُّ شـافُ

ويقول وابن المقداد وهو شيخ :

يكطعْ بيكْ إنتَ يالشيطانْ=مَذالكْ عايدْ لِ وحْلَ 

شدُّورْ إفْشيْبانِ سُودانْ=ما يتْمَلَّكْ زَغْبَ كَحْلَ

ويقول لصديقه إلبو ممازحا:

إلبو من ثقلِ ما إيْملْ=ثقْلِ لا لحَّكَْتُولُ 

يفعَلْ فأخْبارُ كلْ فعلْ=لاهي إيعودْ إبْمَفعُولُ

كان إبن المقداد رحمه الله  قامة أدبية فريدة من نوعها وكان بيته قلعة من قلاع الكرم والأدب فلم يبقى شاعر في عصره إلا و ترك له أبيات من الشعر أو كيفان من "لغن" يتردد صداها في كل مكان حاملة إسمه الذي صار مثلا للكرم والسخاء .