الإعلان الذي صدر عن مجلس الوزراء الأخير بتنظيم جائزة سنوية لإتقان العلوم المحظرية يجد التثمين من كل مهتم بتاريخ هذا البلد وحاضره ومستقبله لأن:
١- المحظرة هي القاسم المشترك بين مكونات هذا المجتمع؛ في رحابها تعلم أبناؤه في مختلف بقاعه دين الله، ولغة القرآن الكريم، فتكونت مشاعرهم، وتوحدت آمالهم وآلهم قرونا كثيرة في غياب الدولة المركزية الجامعة.
٢- لولا المحظرة وعلومها وعلماؤها لتمكنت السياسة الثقافية التي رسمها استراتيجيو المستعمر، وغرستها مدارسه، وحاول فرضها حكامه من محو هوية هذا المجتمع؛ لكن التقارير والكتب الاستعمارية أكدت صراحة أن العامل الرئيس في التصدي لتلك السياسات الثقافية الفرنسية في موريتانيا وغرب إفريقيا كان المحظرة وعلماءها...
٣- بالمحظرة حصلنا على السمعة الطيبة التي يحظى بها مجتمعنا خارجيا؛ أعني سمعة "بلاد المليون شاعر، وأرض العلم والعلماء"، وهي سمعة مهما ارتبط بها من مبالغة فإنها تشعر كل منتم لهذا الوطن بالفخر والاعتزاز.
وأتذكر هنا أنني كنت في استراحة على هامش نشاط ثقافي في إحدى دول الجوار فداعبني أحد العلمانيين قائلا: كيف تفسر لي كون الانقلابات العسكرية في بلدكم تتم من دون قتل ولا عنف ولا حتى سجن؟
فقلت له على البديهة: لأن نظامها التعليمي الأصيل يبدأ بتحفيظ الأطفال كتاب الله وسنة رسوله؛ فيشبون على أن دم المسلم وماله وعرضه حرام على أخيه المسلم، وأن الدفع بالتي أحسن والصفح أولى من الفظاظة والغلظة...
عندها بهت لحظات ليقول لي لو كان واقع التعليم عندكم كما هو عندنا لما جادلتك أمس في ضرورة الابتعاد عن التعليم الأصلي.
لذلك أشكر فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على سن هذه الجائزة التي لا شك أنها ستكون رافعة جديدة للنهوض بالتعليم المحظري، والعناية بخريجيه، والمشتغلين به؛ راجيا من المولى عز وجل أن يتمكن وطننا في فترة حكمه من تلمس خطوات رشيدة لبناء الإنسان بالتعليم القوي، والقيم الرفيعة؛ لأن ذلك وحده يمثل الطريق المستقيم للنهوض نحو مستقبل التنمية الرشيدة.