تأملات في التسريب
استمعت إلى التسريب الذي انتشر بالأمس لمحادثة بين يحي ولد كبد ورفيقه يحي ولد الواقف وقد خرجت بالانطباعات التالية:
١- أن من يسميهم الناس "النخبة" لا يختلفون في طرحهم ونقاشهم للمواضيع السياسية عن عامة الناس؛ يحي ولد كبد يبدأ الحديث بسؤال صديقه: "ماذا وصلك من الشائعات؟" أي أن هذين الرجلين الذين قذفت بهما تراكمات أخطاء الزمان إلى مراكز أعلى من قامتيهما، هذان الرجلان لا يختلفان في انتقاء مفردات حديثهما عن أي فتاتين مراهقتين أو راشدتين في جلسة من جلسات النميمة تتبادلان آخر مواضيع "اجف" المتداول...
٢- يبدو من طريقة تناول المتحدثين للتعديل الوزاري المرتقب يومها أنها "متفقان" ذهنيا على انهما يحوزان على تأثير هائل على رئيس الدولة وقراراته أو هكذا يدعيان. يقول ولد الواقف: "كام علي العياط كبيل عن خلك تعديل وزاري(جزئي؟) يغير ما يصح يكون شي شامل" أي أن المتحدث يصور الأمر وكأن البلد قد احترق والناس يلجأون إليه من أجل إخماد الحريق... لم يعترض ولد كبد على نبرة شريكه في الحديث وهو ما يعني انه يوافقه بل ربما يشاركه نفس الادعاء.
٣- يبدو من سياق الحديث أن الوزير السابق المختار ولد انجاي هو شديد القرب من الرجلين بدليل أنهما يتناولان تحقيقات استمعت فيها اللجنة البرلمانية إلى ٣١٧ شخصا ولكن أحدهما يشير الى ولد أجاي باسمه الأول "المختار" فلا يسأل السامع من يقصد وهو ما يدل على أن اسم الرجل يتردد كثيرا في أحاديثهما بطريقة ودية وإيجابية وهو ما يفند محاولات يحي ولد كبد منذ فترة الادعاء بأنه لم يكن قريبا من المسار في الشأن المحلي المقطعي.
٤- الرجلان كانا يتوليان مسؤوليات كبيرة وفي الصفوف الأمامية لحملة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ولكنهما يجدان صعوبات جمة في تذكر اسم مدير حملته السيد انيانغ جبريل... هل هي العنصرية والتعالي على الإخوة الأفارقة تجري في عروق القوميين؟
٥- من الواضح من حديث الرجلين أنهما يتوقعان أن "أحدا ما" يستمع إليهما بدليل أن الوزير ولد كبد يقول لصاحبه عند الحديث عن محمد سالم ولد البشير: الرجل الموجود معنا والذي شغل منصبا شغلته انت من قبل... (يقصد رئاسة الوزراء أو الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية أو ربما الإثنتين معا).
ما يهمنا هنا هو أن الرجلين يتوقعان انهما تحت المراقبة ومع ذلك يتحدثان وكأنهما فوق القانون. وهذا يطرح سؤالا عن ما قد يدور بين الرجلين لو أنهما يأمنان التنصت. ماذا يدبر هذان عندما يلتقيان وجها لوجه؟
٦- النقطة السادسة وهي أخطر ما في الموضوع هي أن النائب ولد الواقف يعترف بل ويعتز بأنه استخدم نفوذه عند بقية زملائه في اللجنة من أجل إخراج ولد عبدي فال من دائرة الاتهام رغم تواتر الأدلة التي تدينه. نحن هنا أمام نائب يفترض أنه يمثل إرادة الشعب ويسهر على كتابة القوانين يحدث موظفا "ساميا" في الرئاسة يتبادلان الأدوار في ازدراء القانون. يطلب يحي ولد كبد إتلاف الأدلة التي تدين ولد البشير ونيانغ فيرد عليه يحي ولد الواقف بأن "الوقت قد فات" وهو ما يعني انه لو سأله نفس السؤال قبل كتابة التقرير لكان فعل. بدليل أنه يمن عليه بعدها بأنه قد فعل الشيء ذاته مع ولد عبدي فال الذي "حدثتني بشأنه في الوقت المناسب". وهذا "الوقت المناسب" نترك تأويل معناه لفراسة القارئ: إن شئت فهمته على ظاهره وإن شئت فهمت مثلي أنه يقصد الدفع مقدما؛ وهو الأرجح عند الفقهاء.
٧- حاول ولد الواقف بالأمس أن يظهر نفسه بمظهر الضحية (دون أن ينفي صحة المحادثة) بالقول إن هذا اعتداء على"خصوصيته". وهو رد متهافت؛ إذ أن التسريب لا يتناول محادثة في أمور شخصية بين أحدهم وزوجته أو أبنائه بل هو حديث بين رجلين أحدهما مؤتمن على التحقيق في أموال الشعب كيف صرفت والثاني "مكلف بمهمة" تنفيذ قرارات الأول والقضاء من بعده ولكنهما يجتمعان على إهمال حقوق الشعب كله وعلى إخفاء الأدلة عن العدالة حتى لا تدين من يتصل بهما "قبل انتهاء التقرير"...
من صفحة الحسن ول اميجن