أي حوار وطني تتطلبه موريتانيا في العقد الثالث من الألفية الثالثة؟ / محمد الراظي بن صدفن

ثلاثاء, 24/08/2021 - 21:59

لقد أمتازت موريتانيا منذ إعلانها مستعمرة فرنسية سنة 1920م بأنها البلد الأكثر فقرا مقارنة

مع جاراتها في الغرب الافريقي  عموما

(parent

Pauvre de l’Aof) .

و هذه الصفة لازمتها للأسف الشديد لسنين عديدة على إمتداد تاريخها السياسي  بدءا بالحقبة

الإستعمارية و سياساتها السلبية مرورا بمرحلة الإستقلال و تأسيس الدولة المدنية المستقلة الجامعة و إنتهاء  بمرحلة الحكم العسكري و مواجهة التحديات التنموية المختلفة.

ذلك أن الإدارة الاستعمارية  التي حكمت

البلاد لأكثر من نصف قرن لم يكن في أولوياتها القيام بأي جهد تنموي يمكن  البناء عليه في

تحسين أوضاع السكان وتشييد البنى التحتية  الضرورية للتنمية، لأن هدفها من الإحتلال كان واضحًا منذ البداية  واقتصر على البعد

الإستيراتيجي  المتمثل في الربط بين  مستعمرات فرنسا الافريقية شمالا وغربا  وتحييد المنطقة الموريتانية عن أية تجاذبات أو أطماع للقوي الإستعمارية الأخري.

لهذه الأسباب ، فإن حكومة الإستقلال رغم الجهود التي بذلتها في بناء الدولة الوليدة ، فإنها واجهت مصاعب جمة و تحديات لا حصر لها لأن الموارد

كانت شحيحة جدا.

 

فبالرغم من  التحسن الاقتصادي وارتفاع

معدلات النمو الذي عرفته الدولة خلال أواخر الستينات و بداية السبعينات ، فإنه لم يصاحب

ذلك أي تطوير للقطاعات الإقتصادية الأساسية مثل الزراعة و تربية الماشية التي شكلت و قتها الركيزة الأساسية للإقتصاد الريفي و مصدر معيشة

الغالبية العظمي من الشعب.

ولا شك أن عوامل عديدة في مقدمتها موجة الجفاف التي ضربت البلاد بين 1969-1973م

و ما أنجر عنها من تبعات إقتصادية واجتماعية بالغة التأثير علاوة على حرب الصحراء التي استنزفت كل موارد البلد  الاقتصادية وغيرها .

قد قضت على  كل آمل في تحقيق أي نمو اقتصادي  يستجيب  لتطلعات المواطنين في الولوج للخدمات الصحية و التعليمية وخاصة النازحين الجدد الذين شكلوا حزاما  يحيط بمدينة نواكشوط من خلال إقامة الكثير من

العشوائيات ( مدن الصفيح).

و أمام هذا الوضع الصعب لم يكن بوسع الأنظمة العسكرية التي تعاقبت على الحكم أن تخرج

البلاد من عنق الزجاجة وتصحح

الإختلالات الهيكلية التي شابت عملية البناء الوطني منذ تأسيس الدولة والى وقت

قريب , رغم  مشاركة العديد من النخب

 

الفكرية والسياسية المدنية في صنع القرار

السياسي ضمن تشكيلات الحكومات المنبثقة عن تلك الأنظمة و تصدرها المشهد في العديد من الحوارات التي أطلقتها.

و أيا كانت الجهود المبذولة من هؤلاء واولئك لتحقيق مكاسب هنا او هناك في هذا الملف

أو ذاك، فإن القاسم المشترك  الذي يجمع

عليه الموريتانيون اليوم   هو أن بلادهم لم تكن  بأحسن حال إبان  ابان تسلم رئيس الجمهورية

السيد محمد ولد الشيخ  الغزواني مقاليد

الحكم فيها .

 

فالرجل الخارج لتوه من عباءة المؤسسة العسكرية  والمعروف بانصباطه المهني

و حنكته و خبرته الواسعة في شؤون الحكم و إكراهات السياسة أختير من طرف

الجميع لمعالجة الأثار السلبية الناجمة عن

العشرية الماضية وعلى رأسها الأزمة  السياسية الطاحنة و التي كادت أن تعصف

بوحدة البلاد الأساسية و وضع حد للتدهور الاقتصادي الحاد وإصلاح المنظومة

التربوية االفاشلة ومحاربة الغبن والتهميش

و إصلاح نظام القضاء و تعميم التغطية الصحية ومحاربة الفقر والبطالة وإعادة الثقة بين

الدولة  و مواطنيها و صيانة الموروث الثقافي مع إعادة الاعتبار للمنظومة القيمية و الأخلاقية التي تضررت كثيرا .

 

و هي أمور جوهرية لا يختلف إثنان على أهميتها في إطار سياق انتشال البلد من  الوحل الذي

يوجد فيه .

كما أنها في الوقت ذاته  تعتبر من منظور سلم الأولويات مقدمة على اي  حوار  سياسي  يهدف إلي تقوية مراكز أطراف سياسية بعينها أو تحقيق مصالح ذاتية ضيقة

و حسب إعتقادنا أن المطلوب اليوم في هذا الظرف الدقيق من تاريخنا الوطني  هو

إغتنام فرصة الانفتاح  السباسي

الجديد على  مختلف الطيف السياسي التي

أعلن عنها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وتوسيع التشاور  حول المواضيع  الٱنفة الذكر  .

 

و في هذا السياق فإننا نؤكد علي ما يلي:

– الحفاظ على مناخ التهدئة السياسية بإعتباره المدخل الرئيس لحل كل مشاكل البلاد العالقة،

– تثمين كل الإنجازات التي حققتها الحكومة خلال

السنتين الماضيتين من مأمورية الرئيس

في شتي المجالات التنموية و تقييمها بصفة موضوعية ، حماية مكاسب النظام الجمهوري

وتطوير أدائه.

– تشجيع الرئيس على المضي قدمًا في تكريس فصل السلطات بإعتباره شرطًا لا غنى عنه لقيام دولة العدل والقانون و الإنصاف

التي ألتزم بها ضمن عهدته ،

– التشبث بالأمة الموحدة التي يحكمها الشعور بالمصير الواحد المشترك  ومتحدة اجتماعيا

و أمنيًا قوية متطورة شديدة الثقة  بالنفس و فخورة ببلدها،

– الإستثمار في الفرد و التركيز على

المنظومة التعليمية فيما تبقي من المأموري بتوجيه جل الإستثمارات إليها بغية إصلاح  الخلل في هذا القطاع الحيوي  وتحقيق التنمية الشاملة  في جميع القطاعات الاخرى.

– تحقيق التنمية الشاملة المتوازنة بأبعادها المختلفة  والاعتماد على الذات في  أي

مبادرة للتطوير الإقتصادي و الإجتماعي وتشجيع الادخار  المحلي .

– التركيز على مفاهيم النمو و التحديث و التصنيع بإعتبارها أولويات  اقتصادية وطنية .

– النهوض بالإقتصاد الريفي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب والألبان

و اللحوم .

– تطبيق العدالة في التنمية بين

المناطق و جعل الإنسان محور

النشاط التنموي و آداته ،

– توسيع مشاركة الأحزاب السياسية في مناقشة مختلف  المشاريع الاقتصادية المرتبطة بالمصلحة

بالمصلحة العامة و متابعة السلطة التنفيذية    لتطبيقها بصفة صارمة من خلال تفعيل

دور الرقابة والتقويم .

– أهمية تفعيل أدوات إقتصادية

جديدة مثل الوقف و الزكاة

لمكافحة الفقر و ترسيخ مفهوم

التضامن الإجتماعي.

والخلاصة أن تحقيق مثل هذه

الأهداف النبيلة التي يعلق عليها

شعبنا آمالًا جساما لا يمكن أن تتم إلا في ظروف  يسودها الهدوء  ويطبعها  الأحترام

المتبادل بين جميع الفرقاء  السياسيين.

و في هذا المنحي فإنه لا يمكننا إلا أن نثمن عاليًا تعاطي رئيس الجمهورية  الإيجابي مع الجميع واعتماد طريقة التشاور والإنصات  بروية لكل الأطروحات التي تصدر عن الشركاء نهجا في الممارسة السياسية لحل كل المشاكل.

و هو ما لا يمكن إعتباره بإي حال

من الأحوال ضعفًا بل هي الطيبوبة التي تخفي وراءها قدرا كبيرا من المسؤولية والحزم

أو هما معا.