أول ما حفر من إيگيدي هو بئر تينشيكل 636 هـ ثم تشكل وتمدد إيگيدي ليكون الحاضن لمُضَّغ القتاد بمجموعة قيمهم ومنظومة أخلاقهم.
ويقع صقع إيگيدي (إيگذَهْ) على شكل سمكة فى المنطقة المحاذية للعرية شرقا وآبار تاشدبيت شمالا وآتكور غربا ولعْكِلْ من الشمال الشرقي ولبيرات من الشمال.
وعاصمة إيگيدي منذ القديم هي بئر أگننت "بئر تنضب" وتقع هذه البئر علي نحو 40 كم جنوب طريق الأمل علي بعد 20 كم جنوب تندگسم.
على جرعاء أگننت تحالف تشمشه نهاية القرن السابع الهجري على التمسك بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى تكون لهم طبعا وديدنا وعدم مخالطة الظلمة وعدم طرق أبوابهم والاعتزال عنهم قلبا وقالبا والصبر والحلم والأناة والامتناع عن دفع المغرم مهما كلف الأمر والمداراة اضطرارا طبقا للقواعد الشرعية والعزوف عن الدنيا وحسم مادة الخصومة فيما بينهم ومع غيرهم وقلة الطمع فيما بأيدي الناس وأن يكونوا يدا واحدة علي الظالم وكانوا كل عام يجددون عهدهم.
وكان آخر اجتماع لهم منتصف القرن العشرين بمدينة سان لوي " اندر " بالسينغال:
" .. بأن أعيانا من أنوف الخمس وفتيانا كلهم في الشهرة كالشمس أدركوا ما فيه سعادتهم بالحدس فأكدوا اليوم ما أسسوا بالأمس فردوا بذلك شرفهم القديم ، وهو غضٌ واستدار زمنهم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فضموا عز بني بازيد وكرمهم وفضل بني يعقوب وعلمهم ، إلي عقل بني ديمان وحلمهم وفتح بني يداج ويمنهم ، وبركة الالفغيين وإخباتهم لربهم وخوارق اليدمسيين وإباء أنفسهم ، فجر المجد ذيوله وسحب ثيابه وحدد سيوله جنوبا من أقصى بلاد السنغال إلي حدود المغرب الأقصى شمالا وطلع بحمد الله سعيدا وطاب وقتا وصار عيدا ويوما مشهودا ".
وكانت لتشمش حلوم عظام وأخلاق يُذم لها النضار وكانت لهم المناصب الشرعية كالإمامة العظمى وإقامة الصلاة والقضاء وتعلم العلم والشهادة والتبرك.
ولد المختارولد حامدٌ سنة 1898 م فى قرية اتويرجه - 160 كلم شمال روصو- ونشأ وتربى فى فضاء إيگيدي المشع بالإيمان والسكينة والخلق الحسن.
قَفا فى سُبل المحامد أباه حامدا وجده محنض بابا وتأسى بهدي أخواله أهل بِيدح وتمثل قيّم الحي من أبناء بارك الله فيهم.
درس العلوم وطلب الطياش وسقى العطاش وحمل الكل وأقرى الضيف وأعان على نوائب الدهر.
كان فائق الذكاء متوقد الذهن عِدّ القريحة ، حفظ القرءان في سن السابعة على شيخ من قبيلة المدلش ، وراجعه على خاله الشيخ عبد الرحمن بن بيدح ، وأخذ رسمه على خاله حامدن بن بيدح وهو في التاسعة ، وأخذ تجويده على الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محنض باب وهو في العاشرة.
ودرس العروض والقوافي على العالم محمد لمين سيسَ السنغالي.
ودرس معظم "الخلاصة" فى النحو لإبن مالك على عمه بارك الله بن محمذن بن محنض بابه وأكمل بقيتها على خاله عبد الرحمن بن المختار بن بيدح.
ودرس " تحفة الحكام فى الدعاوي والأحكام " لابن عاصم على العلامة باب بن محمودا بن محنض بابه ودرس " منظومة محنض بابه فى أصول الفقه " على المختار بن محمدي امبارك بن اسليمان الديماني ودرس على والده متنين فى المنطق هما : "سلم الأخضري" و "جواهر ابن طيب " .
مارس التدريس فى محظرة والده ثم رحل إلى محظرة يحظيه ولد عبد الودود ودرس عليه النحو ثم رحل إلى محظرة أهل محمد ولد محمد سالم المجلسيين فحضر دروس الفقه وعلم الكلام في ودرس مختصر خليل على العلامة عبد القادر ولد عبد الله ولد محمد ولد محمد سالم .
أخذ تحقيقات عن الشيخ محمد عالي ولد عدود والشيخ المختار ول ابلول.
التحق بمدرسة المذرذرة وهو في الثالثة عشرة من عمره، سنة 1912
ودرس فيها ثلاث سنوات، قبل إغلاق المدرسة في إطار حالة الطوارئ والتعبئة التي أعلنها الفرنسيون مع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914.
ذهب إلى السينغال سنة 1936ومارس التجارة فى مدينة كولخ ، وتعرف هناك على مثقفين من بلاد الشام ، وبسبب جهلهم بأرض شنقيط وحضارتها ، قرر المحتار رحمه الله كتابة موسوعته " حياة موريتانيا ".
طرق باب المختار ذات يوم شامي يدعى كامل بولس فقال تدعون أنكم شعراء فقال المختار: نعم قال بولس أنشدني فأنشده المختار مقطوعات من بينها:
أتمسك دمع العينِ و هْوَ ذروفُ :: و تامن مكر البين و هْو مخوفُ
تكلم منا البعض والبعض ساكت :: غداة التقينا والوداع صنوف
فآلت بنا الأحوال آخر وقفة :: إلى كلمات مالهن حروف
حلفت يمينا لست فيها بحانث :: لأني بعقبى الحانثين عروف
لئن وقف الدمع الذى كان جاريا :: لثم أمور مالهن وقوف
فأخذ بولس يترنح ويقول أجاد أجاد
ثم سأل المختار هل فيكم من يمكن أن يقول مثل :
لله أرض الشام ما أحلاها:: لم أدر ما معنى الهوى لولاها
فرد المحتار ليس فينا من يجعل لولا آخر الكلام .
في نهاية سنة 1944 أصبح مدرسا للغة العربية في مدرسة أطار الرسمية كما يصف ذلك في الرحلة الأطارية.
وفي نهاية سنة 1949 انتدب للعمل في المعهد العلمي الفرنسي لدول غرب افريقيا في سان لويس سينغال حتي سنة 1956م ،وقد استفاد المعهد بأبحاثه وتحقيقاته التاريخية وآرائه في النقوش والخطوط القديمة في موريتانيا وكان المعهد يعتمد علي ملاحظاته كما طبع بعض أبحاثه باللغة الفرنسية.
وفي سنة 1956م عين أستاذا للتاريخ في معهد الدراسات الإسلامية العليا في مدينة أبي تلميت .
وفي سنة 1959م عين مستشارا ثقافيا في العاصمة انواكشوط.
وفي سنة 1967م أحيل إلي المعاش إلا أن المكتبة الموريتانية والمعهد العلمي رغبا في بقائه فيهما.
أقام المختار بانواكشوط ليستقر به العمل فى دار الثقافة مشرفا على الثقافة ومرجعا للباحثين ، زاره ذات مرة الأستاذ يحيى ولد البرا مستعينا وكان يُحضر دراسة بعنوان"ألفية ابن مالك وأثرها على الثقافة الموريتانية" قال له المختار ارجع لي غدا وفى الغد وجده قد جمع له العون وأتحفه بقصيدة جميله أعجازها جميعا من ألفية ابن مالك فتعجب يحيى من سرعة الإعداد فالرجل كأنما يغرف من بحر
كان مدير دار الثقافة عبد الله ولد ببكر الإنتشائي الأبيري يعامل المختار معاملة خاصة ويراعي بعد سكنه في مقاطعة توجنين وربما أوصله ، ثم حول وخلف من بعده مدير كان متشددا جدا ، فتذكر التاه أيام عبد الله فقال:
غنينا بعبدالله إذكان بيننا :: وعاملنا باللطف اذ نحن عندَه
وغادرنا لا عن قِلًى وملالة :: ألا إننا نستودعُ اللهَ عبدَه
كان رحمه الله دمث الخلق حاد الذهن حاضر البديهة ،كان صديقا للشيخ ابراهيم انياس وكان يداعبه ويقول : المختار " صايْ صايْ " لايقول شيئا إلا وفيه شيئ ، وكان البعض يقول إنه أحيانا يلف قدمه فى أشعاره ويعددون بعض النماذج..
كان رحمه الله حسن الخلق مداحا للمسلمين وقد سأله أحدهم لماذا تكثر من مدح الناس قال له لأن الله تعالى يقول :" وقولوا للناس حسنا ".
عمل المختار فى الإذاعة وفى أرشيفها له درر مدفونة من السير والتاريخ والشعر ، جاب أصقاع المنتبذ المنتبذ القصي وسأل كل قبيلة عن نسبها وكتب عنها كما تدل على ذلك مقامته لأهل الحوض ومقامته لأهل ولاته والمقامة الأبيرية والرحلة الأطارية ، ورسالته لأولاد أحمد من دامان ورسالته لأولاد بسباع ..
كان لا يحب السياسة وموقفه منها معروف :
خلّ السياسة إلى جانب :: ألقِ لها الحبل على الغارب
لا تك مغلوبا ولا غالبا :: كن ثالث المغلوب والغالب
ساند مشروع الدولة الحديثة وأشاد بالأوقية والتعريب ، وساهم فى برامج الإذاعة ، كتب الموسوعة فى ثلاث مجلدات : الحياة الثقافية والحياة الجغرافية والحياة السياسية واليوم تصدر موسوعة الأنساب.
وفى الإذاعة كانت له حلقة مع الشاعر محمدن ولد سيد ابراهيم يترجم فيها من الشعبي إلى الفصيح ، وله حلقات يتناول فيها تاريخ والد بن خالنا والكثير من الدرر ، وحين كتب المختار عن تاريخ المنتبذ القصي وعن أصول أهله العرببربرية لم تعجب البعض بربرته لأهل المنتبذ ،
رأى المختار أن يترك المنتبذ القصي وأن يجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طيبة المنيفة متزودا لدار هو نازلها غدا :
تزود لدار أنت نازلها غدا :: فقد آن يامختار أن تتزودا
لقد قال - لم يُعقب أبوك - ملاحظ :: إذًا أنت لم تولد ‘ ولن بعد تولدا
ولكنّ لطف الله بالعبد رائب :: ثأى غَفَلات فيك أعمَلتِ اليدا
عسى الله يعفوا عن خطايا ارتكبتها :: مدى عُمُرٍ أيامه ذهبت سُدى
فسيل خطاياك الذي بلغ الزبى :: تمدّد فيما بعدها وتبدّدا
وعلّ كتابا سابقا لك قد جرى :: به قدَر كيما تفوز وتسعدا
فتأخذ في أعمال برّ تقود من :: ينيب لعيش سائغٍ رغدٍ غدا
وتختم أشواط المطاف بتوبة :: تكفّر ما سجلت في ذلك المدى
فقرر الهجرة إلى المدينة مشبها نفسه لشدة انكساره لربه بذلك الذى قتل مائة نفس وقيل له لاتوبة لك فهاجر عن بلد معصيته فهداه ربه:
كما هدى فى زمن تقدما :: ذاك الذى مائة نفس أعدما
فإننى كما مشى مشيتُ :: عنِ القرى التى بها عصيتُ
مُجاورا بطيبة المنورهْ :: أكرم خلق ربه وأطهرهْ
وليس مُقنطىَّ إسرافى على :: نفسىَّ من رحمة مولاى علا
فإنها غضبه قد سبقتْ :: من غشيت أنقت وأرقت ووقتْ
أستغفرُ الله ومن غضبهِ :: ومن عذابهِ علا عُذْتُ بهِ
كانت له علاقات قوية في السعودية ، لكنه أحب أن يكون فى دهماء الناس وأن يظل خامل الذكر فى الحرة الغربية كان يقيم كان يسأل عن أحوال أهل المنتبذ القصي يرثي من مات من أعيانه ويسأل عن أحوال المنتبذ السياسية والأقتصادية كان حاضر الذهن وعلى اطلاع بجميع أخبار المنتبذ مقبلا على شأنه من قراءة القرءان والذكر والمرابطة لايُمل مجلسه وحين تهم بالإنصراف عنه يدعوا لك ويوصيك بوصية الله للأولين والآخرين : " التقوى " ، يعرف الناس عن المختار أنه شاعر ومؤرخ وما تلك إلا مواهب فرعية فهو عالم مجتهد ومحدث وأصولي وفقيه وأديب وله باع طويل فى لغن .
كان التاه رحمه الله يسكن في حي (الذهبي) بالمدينة المنورة ، وغير بعيد منه حي (باب الكومة) عند طرف سفح جبل سلع يقع البيت العامر بيت آل أحمد ولد عبد العزيز الإندكسعدي التاشدبيتي ، حيث الشيخ أحمد وابنه النابه العارف مولود ، يقول التاه:
يَرَى (ببابِ كومةٍ) من يرَى :: نورَ القراءةِ ونارَ القرى
بدارِ دينٍ لا دَنايا بها :: ومرتأَى مروءةٍ لا مِرا
دارُ بني عبد العزيز التي :: كانت لصيدِ المكرمات الفَرا
دارٌ ترى عِلما بها نافعا :: والعملَ الصالحَ فيها ترَى
والجَفَلى لا النّقرَى عندها :: ترى ، ترَى المعروفَ لا المنكرا
فسَرَّ منها خبرٌ مسمعا :: وسَرَّ منها مَخبرٌ مَنظرا
فسلّمَ اللهُ لها أهلها :: وباركَ الخَبرَ والمَخبرا
وفي الحرة الغربية (الوبرة) كان للتاه ممر على صديقه محمد سعيد ولد الشيباني الشمسدي وكان محمد سعيد يُبجل المختار ويجله.
ووكان له ممر شبه دائم يوم الجمعة على الشيخ عبدالله ولد بونَ الجكني ، فى سيح الشناقطة عند دكة المغاربة حيث يقيم الشيخ عبد الله.
وكان للتاه وعبد الله مجلس يسمونه (سويعة الجمعة) للمذاكرة وتدريس الطلبة.
سنة 1993 دب الضعف إلى جسمه واستوجبت حالته النقل إلى المستشفى فنقل إلى مستشفى " الأنصار " مستشفى ضربات الشمس " سابقاً الواقع خلف مسجد الإجابة في الجهة الشرقية الشمالية للمسجد النبوي على بعد 1كم منه على شارع أبي ذر"شارع الستين" بالمدينة المنورة.
وفي غروب مساء يوم الثلاثاء الثالث من محرم 1414 هجرية الموافق للأ 22 يونيو 1993 ميلادية ، في ذلك الغروب والوقت ليس نهارا ولا ليلا أسلم المختار الروح فى مستشفى " الأنصار" نعم الأنصار: " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ".
حمل جثمانه الطاهر إلى المسجد النبوي كان المفترض الدخول من باب البقيع فصرف العسكري الجنازة لتدخل من باب السلام ولباب السلام دلالته.
وصل الجثمان قبل صلاة الصبح بعد استكمال كافة الإجراءات ووضع فى المسجد وبعد صلاة الصبح صلى عليه الشيخ إبراهيم بن الأخضر علي القيم شيخ القراء وإمام المسجد النبوي الشريف فى جمع غفير من المصلين كان ذلك بعد موسم الحج بأقل من ثلاثة أسابيع وكان أكثر الحجيج مايزال بالمدينة خاصة من لم يزر المدينة قبل الحج ومن يزورها لتوديع خير البرية إضافة لسكان طيبة والمجاورين.
حمل الجثمان إلى بقيع الغرقد ومن الصدف أنه ووريّ الثرى فى سرة البقيع بين شهداء الحرة وعثمان بن عفان وكانت تلك موافقة ثالثة.
رحم الله (التاه) عاش كريما ومات كريما.
كامل الود