أكملت جلسات محاكمة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض معاونيه، اليوم الأربعاء، أسبوعها الأول دون أن تدخل في صلب التهم الموجهة لهم والتي من أبرزها الفساد والإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ، فيما سيطرت على الجلسات الخمس صراعات المحامين حول “الدفوع الشكلية”.
منذ أولى جلسات المحاكمة غير المسبوقة في موريتانيا، تصدر المحامون المشهد، ودخلوا في صراعات كثيرًا ما خرجت عن سياق المحاكمة، فمرت ساعات في نقاش إجراءات التفتيش ومواقع ركن السيارات، والمقاعد المخصصة لفريق الدفاع، كما وقع في الجلسة الأولى.
المعركة الإجرائية الأولى بين المحامين، تمثلت في طلب هيئات من المجتمع المدني مختصة في محاربة الرشوة والفساد، أن تكون ممثلة في الملف، وانتدابها محامين للمرافعة عنها، وهو ما اعترض عليه محامو الدفاع، وفي النهاية رفضت هيئة المحكمة تمثيل الهيئات، واستجابت لاعتراض فريق الدفاع.
في الجلسة الثانية انطلقت ثاني المعارك بين المحامين، حين طلبت فرق الدفاع من هيئة المحكمة منح موكليهم الحرية المؤقتة خلال فترة المحاكمة، وهو الطلب الذي أثار نقاش ومشادات كلامية بين المحامين.
مرت الجلسة دون اتخاذ قرار في الموضوع، فيما دافعت النيابة العامة ومحامو الطرف المدني عن إجراء إيداع المتهمين في السجن، ووصفوه بأنه إجراء سليم من الناحية القانونية والإجرائية.
رئيس هيئة المحكمة طلب من فريق الدفاع عن كل متهم أن يتقدم بطلب مكتوب وفق ما تنص عليه المساطر الإجرائية، قبل أن يصرف النظر عن القضية، دون اتخاذ قرار فيها، وهو ما انتقده بعض محامي الدفاع.
الجلسة الثالثة شهدت عودة رجل الأعمال محمد ولد بوبات من الخارج، وحضور مجريات المحاكمة، بعد أن وصفه رئيس هيئة المحكمة في الجلسة الأولى بأنه في حالة فرار من العدالة، وهو ما اعترض عليه محاميه في الجلسة الثانية.
في الجلسة الثالثة بدأت المحكمة استنطاق المتهمين، واستقبال الدفوع الشكلية من فرق الدفاع عنهم، ومع أن ولد عبد العزيز قدم نفسه في بداية الجلسة على أنه هو ممثل هيئة الرحمة، إلا أن رئيس هيئة المحكمة خلال الاستنطاق وصف ممثل الهيئة بأنه “غائب”، وهو المنظمة الخيرية التي تواجه اتهامات بتبييض الأموال.
خلال الدفوع الشكلية عاد النقاش إلى المادة 93 من الدستور الموريتاني التي قالت فرق الدفاع إنها تمنح الرئيس حصانة مطلقة وأبدية، فلا يحاكم إلا بتهمة الخيانة العظمى ومن طرف محكمة العدل السامية.
بدأ منذ تلك الجلسة نقاش قانوني ودستوري، ما يزال مستمرًا حتى جلسة اليوم الأربعاء، حول مفهوم “الحصانة” ومتى تكون مطلقة أو مؤقتة.
ورغم أن النقاش بين المحامين ظل يخوض في جزئيات القانون الجنائي والدستور الموريتاني، إلا أنه لم يخلُ من توقف في بعض الأحيان عند صراعات شكلية، كالاحتجاج على ترجمة كلمة أو عبارة، أو رفض استخدام بعض الأوصاف في حق المحكمة أو المتهمين.
حتى أن محاميًا طلب من المحكمة إلزام المحامية اللبنانية ساندريلا مهرج بارتداء حجاب خلال دخولها قاعة المحكمة، وهو ما أثار موجة سخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
رئيس هيئة المحكمة رغم صرامته في الكثير من الأحيان، إذ لجأ لاستدعاء الأمن في بعض المرات لضبط مجريات المحاكمة، ومنع المحامين من الاشتباك، إلا أنه كان مرنًا في أغلب مجريات المحاكمة، تاركًا المحامين يخوضون معاركهم واستعراض عضلاتهم اللغوية والقانونية.
ورغم تطلع الموريتانيين لمتابعة مجريات المحاكمة عن كثب، ودخول عدد من الصحفيين والمواطنين إلى القاعة، إلا أنه بعد مرور أسبوع كامل، لم تتسرب أي صورة من داخل المحكمة، ما يؤكد فعالية الإجراءات الأمنية التي فرضتها السلطات القضائية في محيط قصر العدل وداخله.
ص م