لم يكن الصعود والترقي ميسورا او سهلا على الانسان في جميع ميادين الحياة، ذلك أن جسم الإنسان يحمل نقيضين حلا فيه مختلفي الأهواء والمشارب والتكوين والمنشأ والحاجة والصفة وهما الروح والبدن، فإذا كانت الروح نفحة من العالم العلوي ومطالبها عالية وطموحاته سامية وغذاؤها معنوي وتنتشي وترتقي بصاحبها كل ما ضمر بدنه وخف زاده المادي وتطهر من ادران الحياة وسما عن الشبهات واتصل بربه جل جلاله، فإن الجسم بطبيعته سفلي نابت من الأرض متشابه مع معادنها ومتطلباته وغذاؤه منها مركب من مكوناتها وينموا بهوائها ومائها وثمارها : لحومها وحبوبها وبقولها، فمن حاول صعود درج سلم او تسلق جبل او كثيب رملي _ مثلا _ فإن ذلك يتطلب منه جهدا زائدا على الحركة العادية، تتابع ألنفس، تصبب عرق، صعوبة في الكلام، برودة في الأطراف، وذلك لان الجسم يحتاج إلى زيادة في ضخ الدم من القلب إلى الشرايين وفي زيادة نسبة الأكسوجين من الرأتين لدفع الدم، لكن المنحدر دائما ينحدر او يسقط سقوطا حرا بأريحية وبدون عناء انجذاب كل معدن إلى مثله وحنين كل فرع إلى أصله، وكذلك الصعود او الترقي في مجالات الحياة لا بد له من جهد جهيد، فالترقي في العلوم سواء كانت دينية او دنيوية لا بد له من الخضوع والتواضع والخشوع وسهر الليالي والصبر على المشاق وتحمل الجوع والعطش والتلقي للقر والحر والمواظبة الدؤوب على التعلم وملازمة اهل الفن والتدقيق والحفظ الإتقان، والترقي في السياسة لا بد له من اتقان فن اللعب على الحبال والتلون بالوان الطيف والتكيف مع طبيعة الأجواء السياسية صيفها وشتائها ورطوبتها وجفافها وتقلبات مناخها، والترقي اجتماعيا لا بد فيه من بذل المال والجاه والوقت واثرة الآخر، اما التسفل او الانحدار او اللصوق بالأرض او البقاء في الخلف في هذه الميادين فإنه سهل ميسور لا يتطلب من صاحبه الا الخلود للراحة الدائمة والنوم وعدم حمل المسؤولية والتخلي عن الواجبات
الحسن اميمين