“حائط المبكى الموريتاني في المكسيك.” متى نوقف النزيف؟ / الدكتور محمدو ولد احظانا

أحد, 05/03/2023 - 13:12

المقال الأول

فلنعد توزيع القيم الإيجابية

 

تذكرت؛ وأنا أراقب نزيف هجرة شبابنا إلى “حائط المبكى الموريتاني” في المكسيك قصة تروى عن ملاك خراف (كباش)، كانوا يتاجرون بها. وقرروا نقلها عبر سفينة إلى بلد آخر بعيد ليربحوا أكثر، وكان معهم على ظهر السفينة رجل ماكر أراد أن يرزئ كل التجار في غنمهم.

وبينما السفينة تمخر عباب البحر تقدم إلى شيخ التجار واشترى منه الخروف الأكبر في القطيع بما أراد من ثمن، وصار يعطيه صرة  علف يوميا، فلما وصلت السفينة لجة البحر وحان الوقت اليومي لتقديم العلف للكبش رمى المحتال صرة العلف لكبشه في الماء  فقز في أثرها وغرق.. وإذ رأى القطيع الكبش الأقرن يقفز في الماء قفزت بقية الكباش في أثره وغرقت جميعا، فلم يبق لملاك الغنم إلا أن يقفزوا في أثر رأس مالهم علهم ينقذون غنمهم، فغرق الجميع في لجة البحر.”

 تعبر هذه الحكاية بدقة عن سلوك القطيع، وقد يفسر بعض علماء الاجتماع سلوك الجمهور عندما يصل إلى مرحلة التلهف الجمعي على مطلب ما بهذا السلوك الجمعي للقطيع..

 المطلب هنا هو القيمة المادية المحضة.

وحالة التلهف الجمعي هي حالة مجتمعنا. وهي -في نظري- على  قيمة واحدة من بين قيم عديدة الا وهي القيمة المادية المحضة، التي تجعل جمهورنا يصاب اليوم بالعمى عن كل المخاطر المحدقة بتحصيل هذه القيمة، سواء كانت مخاطر أخلاقية رمزية، أو واقعية مادية.

وقد لاحظت وأنا أراقب ما يعتمل في المجتمع الموريتاني منذ بعض الوقت، أن السياسات الحكومية وجهود النخبة المتصدرة عموما -خلال العقود الماضية- قد سلكت سلوك الماكر المحتال تجاه شعبها فحطمت -بصورة متتالية- منظومة متكاملة من القيم الحيوية الضرورية لأي أمة، ومنها مثلا: قيمة الإتقان ومشتقاته، وقيمة الارتباط بالأرض ومشتقاته، وقيمة النزاهة ومشتقاتها، وقيمة التراحم ومشتقاته، وقيمة العمل ومشتقاته، وقيمة المعرفة ومشتقاتها، وقيمة الأمانة ومشتقاتها ، وقيمة الشجاعة ومشتقاتها، وقيمة القناعة ومشتقاتها.. إلى آخره،

ودرجت نخبتنا المتحكمة صاغرا عن كابر، منذ بعض الوقت، على التضحية بكل منظومة القيم الثمينة هذه على مذبح القيمة المادية وحدها، بآلية فصل الكسب عن الأخلاق عموما.

 وكما ضحى الماكر المحتال بكبشه وماله من أجل أن يخسر أصحاب الغنم كل غنمهم.. كذلك سخرت نخبتنا ذكاءها وتدبيرها وحيلتها من أجل أن يخسر الشعب قيمه بنفس الطريقة.

لقد سألني أحد الوزراء الأول في موريتانيا منذ أكثر من عقدين من الزمن عندما شخصتها له: – كيف نقضي على هذه الظاهرة؟

(فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؟)

(موضوع متسلسل).