شيخنا العلامة بداه البوصيري الإمام المجدد ، سلطان العلماء

جمعة, 31/03/2023 - 02:44

الإمام الأكبر بداه ولد البصيري ” 1919 – 7 مايو 2009 ”
هوالشيخ العلامة محمدو الملقب بداه ولد محمدو ولد حبيب ولد أحمدو ولد البصيري، ولد بعد أربعة أشهر من وفاة والده فسمي باسمه وتربى في حجر جده لأمه الشيخ العلامة محمدو ولد حبيب الرحمن ويقول عنه ” خالي وأعطاه لي ملان مزالت فالدنيَ يدمه ” وحفظ القرآن مبكرا وهو دون التاسعة من عمره، كما أخذ العلوم عن جم كبير من العلماء من بينهم الشيخ أحمدو ولد أحمذيه الذي أخذ عليه علوم القرآن والتفسير، وكثيرا ماكان يثني عليه ويقول ” ذلك شيخي أحمدو.. من مثل أحمد في العلماء..” كمأ أخذ عن شيخ الشيوخ زين ولد اجّمد اليدالي، و العلامة المصلح والداعية المختار ولد ابلول، كما أخذ على الشيخ محمد سالم ولد ألما والشيخ محمد عالي ولد عدود، والشيخ سيدي الفالي ولد محمودا، وعرف الشيخ منذ شبابه بالورع والصرامة في الحق والدفاع عن السنة والحرص على نشر الخير والدفاع عن الدعاة إلى الله وحدثني من عرفه في المحظرة قال كان الشيخ بداه لورعه لا يستمل ماء جلب على حمار ظاله .
في سنة 1957 م نزل الشيخ بداه ولد البصيري في سهل نواكشوط ،بعد أن ظل لسنوات يسأل الله أن ’’ ييسر الله له منزلا في الحضر يقرأ فيه كتبه فنزل الشيخ في قرية لكصر التي كانت مساكن قليلة جدا، وأمام إلحاح من ساكنة

لكصر وتهديدهم باللجوء إلى القضاء لثني الشيخ بداه عن الرحيل عنهم أقام الشيخ محظرته ومسجده لينطلق من بيت صغير من الطين قرب المسجد مع آخر هو بيت ” تيشيت ” غير بعيد عنه لينطلق إشعاع محظرة جمعت تلاميذ شتى ألف العلم بينها
عرف عن الشيخ بداه صدعه بالحق ودفاعه عن المظلوم وكان لايأتيه ذو حاجة إلا سعى في حاجته وكان يكرر ” اشفعوا فلتؤجروا ..” وأخذ الشيخ على الرئيس الأسبق المختار ولد داداه العهد على أنه يتركه يصدع بما يرى أنه الحق، ورغم ذلك فقد ظلت خطب الشيخ تغيظ بعض أطراف الحكم آنذاك، وقد استدعي أكثر من مرة للمساءلة من قبل القائمين على التوجيه الإسلامي وكان رده دائما’’ إما أن تتركوني أقول ما أراني الله أو أترك لكم المنبر’’. وحين جاء للرئيس المختار يستأذنه في الرحيل إلى المدينة المنورة للجوار أجابه الرئيس المختار : مافي المدينة أحوج منا . وحينما اشتعلت حرب الصحراء، اعتبرها الشيخ فتنة بين المسلمين، وعلى عكس بعض الفقهاء الذين قالوا إن قتلى الجيش الموريتاني شهداء لايغسلون ولا يكفنون كان الشيخ بداه يقول ’’ إن الحزم عكس ذلك غسلوهم وكفنوهم وصلوا عليهم’’.
وحين غزا السوفيات إفغانستان دعا الإمام بداه لنصرة المجاهدين وكان يدعو لهم من على المنبر في صلاة الجمعة ويقول : اللهم انصر إخواننا الإفغانستانيين 

لازلت اذكر تلك النسبة الإفغانستانيين ..
ومن مواقفه الصارمة وقوفه ضد دستور ولد ابنيجاه 1982 م المخالف للشريعة الإسلامية، حيث كان العلامة ضمن عدد من الأئمة والعلماء وقادة التيار الإسلامي حينها حجر العثرة الأبرز التي أدت إلى سقوط الدستور المذكور الذي يوصف بأنه دستور علماني جدا.
استنكر الإمام مجزرة النظام السوري ضد الإخوان المسلمين في حماه، واحتج السفير السوري في المنتبذ القصي على خطبة الإمام بداه، ليقوم وزير الإعلام آنذاك بعقد اجتماع مصغر ضم رئيس الدولة المقدم محمد خونه ولد هيداله، الذين أبلغوا الشيخ احتجاجهم على الخطبة واعتبارها خروجا على سياسة الدولة، الأمر الذي أغضب الشيخ بداه وخاطب ولد هيدالة قائلا ’’ أنا لا أخاف منك ولامن غيرك وإذا كنت ستتحكم فيما أقول وما أرى فخذ المنبر، ودعني أذهب لشأني’’ وخرج الشيخ مغضبا. ويروي مقربون من الشيخ كيف رد على رسالة رئيس الدولة حينئذ تحذره من ’’خطر الإسلاميين على البلاد’’ رد الشيخ بداه قائلا ’’ إن الإسلاميين خير للبلاد من الشيوعيين، وسيرى رئيس الدولة مصداق ذلك ’’.

وكما رفض الشيخ البصيري الإفتاء بأن قتلى حرب الصحراء شهداء رفض أيضا الإفتاء بأن منفذي المحاولة الانقلابية 16 مارس 1981 محاربين وقال مخاطبا هيداله : هم ليسوا محاربين وأنتم الصنادرة مثل كلاب الخلاء ما انفرد اثنان بواحد إلا أكلاه ولن أصدر أنا حكما يظل سيفا مسلطا على كل منقلب وأبوء أنا بالإثم في أبد الآبدين
قال هيدالة للإمام أنا آمرك بذلك ، فقال الإمام أنت علاقتي بك منقطعة فأقصى ما يكمن أن تفعله هو قتلي، لكن علاقتي بالله دائمة فهو يميتني ويبعثني ويحاسبني فأنا أخاف الدائم ولا أخاف المنقطع ..
خرج الإمام بداه ولد البصيري وتم إعدام أحمد سالم ولد سيدي ورفقائه وفي الجمعة الموالية لإعدامه وقف بداه على المنبر في خطبة الجمعة معزيا في الأمير سلسل الأمراء بأبيات ليلي بنت طريف التغلبية في رثاء أخيها مطرف بن طريف الخارجي :
أيا شجر الخابور مالك مورقا=كأنك لم تجزعْ على ابن طريفِ
فتى لابعد الزاد الا من التقى =ولا المال الا من قنا وسيوف

بعد الإطاحة بولد هيدالة ووأد مشروع تطبيق الشريعة وظهور نظام سياسي جديد لم يخف الشيخ بداه عدم ارتياحه للنظام الجديد وخصوصا الإشارات التي بدأ ولد الطايع يصدرها تجاه قضايا اعتبرها الشيخ مركزية في صون هوية البلد وسمته العام ولم يكن الشيخ يخفي استياءه مما يعتبره وجها من أوجه العلمانية الصارخة في البلاد تمثله خطوات عديدة لولد الطايع، ورغم ذلك حافظ الشيخ على وسطيته وعلاقته الأبوية بالجميع، رافضا أن يكون طرفا في أي صراع أو أن يمرر النظام السياسي مواقفه من خلال منبر الشيخ أو مواقفه.

ووقف الشيخ بشكل صارم ضد احداث1989 م ،وأكد موقف الإسلام من الاقتتال بين المسلمين، داعيا إلى التوحد ونبذ الخلاف ووقف على المنبر في خطبة الجمعة وحكى قصة مروعة قال إنه رواها عن الثقاة وهي أن حربا أهلية دارت بين قبيلة مسلمة في المنتبذ القصي وأن أحد الجرحى كان جرحه نازفا ولم يستطع التحرك فتجمد الدم والتصق جسده على صخرة بين قتلى تلك الحرب وحين جن الليل جاء هاتف من السماء ودحدح على القتلى وقال : انبحوا يا كلاب النار انبحوا ياكلاب النار .. فبات أولئك الموتى ينبحون حتى أصبح الصباح .
وعند الصباح جاء الناس لتفقد القتلى فوجدو الرجل حيا لكنه ملتصق بدمه المتجمد على الصخرة فانقذوه وقص قصة النباح المروعة.

 

وحين شن النظام الطائعي حملته سنة 1994 م على الإسلاميين وقف الشيخ بداه وقفة صارمة ضد الاعتقالات مؤكدا ” انواكشوط بُنيّ على رأسي والإخوان المسلمين أعرفهم كما أعرف أبنائي وهم لايقتلون النفس التي حرم الله ولايزنون، وأنهم برآء من كل ما يرمون به .. ” ولم تقف جهود الشيخ عند هذا الحد بل بذل النصح للنظام الطائعي وطالبه بإطلاق سراح الأئمة المعتقلين. ومع بداية التطبيع أحس الشيخ بداه بخطر كبير على الهوية الثقافية للبلد، وكان يؤكد لطلابه أنه لم يعد يطيق أرضا ترفرف فيها راية إسرائيل. ولا أزال أتذكر ذلك الصوت الولاج في القلب مالا تولج حداد الإبر وهو يتبرأ من العلاقة مع تل أبيب في خطبة عيد الأضحى أمام ولد الطايع :” وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ” ثم يردف ونحن والله مما تبرأ منه الله ورسوله برآء.

خاض الشيخ بداه حربا شعواء ضد ’’الفقهاء الجامدين’’ وخصوصا أولئك الذين انتقدوا عليه إقامة صلاة الجمعة، وكان يرد على الجميع بأدب جم وعلم وافر مؤكدا أنه إنما يرد من خلال الوحيين وعليهما يبني رؤيته وفقهه ومقاصده، وبين تقليد جامد وتجديد يلغي الفقه وتراث العلماء وقف الشيخ بداه مؤسسا معالم فقه تجديدي يعيد للمدرسة المالكية ألقها ونضارتها وبهاءها. وتشهد مؤلفات الشيخ بداه المتعددة، تعدد معارفه وموسوعيته على ذلك الجهد الكبير في مجال التأصيل ورد الفروع إلى الوحيين، كل ذلك في أدب جم يحسن الربط بين النص وتفسيره ورأي العلماء فيه.ومن مؤلفاته :
تنبيه الخلف الحاضر على أن تفويض السلف لا ينافي الإجراء على الظواهر
ـ أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك
ـ الحجر الأساس لمن أراد شرعة خير الناس ـ تحفة الكرام في بيان الحلال و الحرام
ـ مبادئ الرسوخ في معرفة الناسخ و المنسوخ
ـ منح الجليل فيما عارض المختصر بالدليل.
إسعاف المهرة في تذييل المطهرة .

لم يذكر له عالم إلا وشد إليه الرحال ، ودرس العلوم التكميلية بعد ما تبحر فى العلوم الأساسية فدرس المنطق والحساب والفلك وعمدة أوفى فى الطب …
جاء إلى انواكشوط نهاية الخمسينات كان يصلي الجمعة وأحدث ثورة فى المسلمات كسر قاعدة الشطر : وكرهوا بسملة تعوذا ، وأحيى العمل بسنة القبض إلى جانب سنة السدل واستند إلى أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك ، أنكر عليه أحدهم قبضه فى الصلاة قائلا مالك ترقص ، فقال له بداه هل تعرف معنى قول ابن مالك :
وأظهرِ انْ يكن ضمير خَبَرا =لغير ما يطابق المفسَّرا
نحو: أظنُّ ويظنّاني أخَا =زيداً وعمراً أخوين في الرَخا
يقصد التنازع ؟؟ قال الرجل : لا
ثم أردف هل تعرف معنى قول خليل بن اسحاق : ” حاضرأدرك ثانية مسافر ” ؟؟ ، قال : لا
هل تعرف معنى قول المقري فى العقيدة من ” إضاءة الدجنة ”
واستجلِ معنَى من لنفسه عرف =تلحق بمن من نهر عرفان غرف
..؟؟ قال : لا

 

قال له إذن سأعرض عنك لأن الله يقول : ” وأعرض عن الجاهلين ”
كان الإمام بداه هو مفتي الجمهورية وإمامها الأكبر ولم يتلق فى حياته راتبا من خزينة الدولة ، زاره الملك فيصل فى لكصر وكذلك ياسر عرفات ورؤساء أفارقة ، ودّ السعوديون لو أقام معهم ليكون أستاذا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فجاء إلى الرئيس الراحل المختار ولد داداه يطلب الإذن لأنه ينوي الجوار بالمدينة قال المختار :
ياشيخ ما بالمدينة أحوج منا ، ضحك و بقي
قام له ولد هيداله عن مقعده وقال : أنت الأولى بالجلوس هنا ، مُرنا فالحكم إليك .
جاء إلى معاوية وكان لورعه يرى أنه فى ربقة حاكم ولا يجب الخروج إلى ربقة أخرى إلا بإذن جاء إلى معاوية يطلب الإذن للإقامة فى المدينة فقال معاوية :
نحن فتحنا إدارة للجوازات ولانمنع أحدا من السفر ..
عرف الشيخ أن ولد الطايع ليس كسلفيه
كان الشيخ لا تأخذه فى الله لومة لائم يحب المساكين لايأتيه أحد إلا سعى معه فى حاجته أو كتب له رسالة وكان يقول : ” اشفعوا فلتؤجروا .. ”

 

كان يتجول فى لكصر صباحا يصحبه بعض تلامذته يعود المرضى يداعب الباعة يوزع الهدايا على الأطفال يمر على المقبرة يدعوا للموتى ..
كان يحب المزاح والدعابة كان محمدن ولد سيدي ابراهيم يحضر دروسه بعد المغرب فى مسجده بلكصر كان يداعبه ويمسح على رأسه ويقول ” هاذَ الراصْ املانْ من لبتيتْ ”
سأله مرة المرحوم جمال ولد الحسن عن : ” إصرندْ ، الهولْ ، وأشياء أُخر ، أجاب لابأس بهم فى المذهب الخامس مذهب أهل إيگيدي ، وكان يقول من إنتاجه مداعبا :
إلْ دَارْ الديمينٌ يزيانْ =وايتمْ امْعاهْ استوثيق
إتمْ ايعاملْ ذَ السبْحانْ =معاملةً تليقٌ
كان مهيبا حسن السمت قوي الحجة موطأ الأكناف حسن الخلق من أبرز خصاله الزهد والورع ..
وعما تَبقَّى من حميدِ خصاله =أرى الصمت أولى بي من ان أتكلما.

 

 

 

"منقول '"